استُؤنف عمل منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية لاعتراض تهديد عالي السرعة قادم من اليمن، وفقًا لما ذكرته وكالة الأناضول في 29 يوليو 2025. حيث دوّت صفارات الإنذار في تل أبيب والقدس بعد إطلاق "صاروخ باليستي فرط صوتي" استهدف مطار بن جوريون، والذي أعلنت حركة الحوثي اليمنية مسؤوليتها عنه. تُمثّل هذه المحاولة الرابعة المعروفة باستخدام صاروخ "فلسطين 2". يُثير تزايد وتيرة هذه الهجمات وتطورها التكنولوجي مخاوف عميقة في أوساط الدفاع الإقليمية والدولية. تُبرز هذه الحادثة الأخيرة تصاعد حرب الصواريخ في الشرق الأوسط، وما قد يترتب على ذلك من تداعيات أمنية عالمية.
يُوصف صاروخ "فلسطين 2"، الذي كشف عنه الحوثيون أواخر عام 2024، بأنه صاروخ باليستي فرط صوتي، ويُزعم أنه قادر على الوصول إلى سرعات 16 ماخ والمناورة أثناء الطيران لتجنب الاعتراض. على الرغم من التحقق المستقل من تفاصيل تقنية محدودة، تشير بيانات مفتوحة المصدر ومعلومات استخباراتية إقليمية إلى أنه يستخدم نظام دفع ثنائي المراحل ومركبة إعادة دخول قابلة للمناورة (MaRV)، مما يجعل تتبعه والتعامل معه أصعب بكثير من التهديدات الباليستية التقليدية. يُقال إن الرأس الحربي مصمم لضرب البنية التحتية المحصنة بسرعة عالية، مما يعزز تأثيره النفسي والعسكري عند استهدافه أهدافًا حيوية مثل المطارات الدولية.
طُوّر صاروخ فلسطين 2 سرًا بدعم فني خارجي مفترض، على الأرجح من إيران أو عبر مخططات صواريخ كورية شمالية، ودخل طور التشغيل في سبتمبر 2024. ومنذ ذلك الحين، أُطلق أربع مرات باتجاه الأراضي الإسرائيلية، بنتائج متفاوتة. وبحسب ما ورد، تم اعتراض محاولتي مارس 2025 ويوليو 2025، بينما أسفر هجوم مايو 2025 عن إصابة مدنيين وتسبب في حفرة بالقرب من المبنى رقم 3 بمطار بن جوريون. وقد استغل الحوثيون كل حدث لتأكيد قدراتهم الصاروخية المتنامية ولإظهار تحالفهم الرمزي مع الجماعات الفلسطينية المحاصرة في غزة.
من حيث الأداء، يُمثل صاروخ فلسطين 2 تحديًا جديدًا للدفاعات الجوية الإسرائيلية متعددة الطبقات، بما في ذلك نظامي "حيتس 3" و"مقلاع داود". فعلى عكس صواريخ سكود التقليدية أو صواريخ الكروز، تُقلل طبيعة "فلسطين 2" الأسرع من الصوت من نوافذ الاشتباك وتُعقّد تتبع الرادار نظرًا لسرعته العالية ومساره غير المنتظم. وبالمقارنة، يُظهر الصاروخ أوجه تشابه في العقيدة، إن لم يكن في التطور، مع الأنظمة الإيرانية السابقة مثل "فاتح" أو "هواسونغ-8" الكوري الشمالي، حيث يُعطي كلاهما الأولوية للسرعة وعدم القدرة على التنبؤ على حساب الدقة المتناهية. ومع ذلك، وعلى عكس الأسلحة الأسرع من الصوت الأمريكية أو الروسية أو الصينية، يفتقر "فلسطين 2" إلى توجيه نهائي مُوثّق، مما يُشير إلى أنه لا يزال في مرحلة مبكرة من النضج التكنولوجي.
يحمل صاروخ "فلسطين 2" تداعيات استراتيجية مهمة على الأمن الإقليمي وديناميكيات الردع. فهو يُمثل تحولًا في استراتيجيات الردع غير المتكافئة حيث تحاول الجهات الفاعلة من غير الدول أو شبه الدول إبطال التفوق الجوي وتهديد الأهداف الحضرية عالية القيمة. يُظهر استخدامها المتكرر ضد مطار بن غوريون، مركز حركة الطيران المدني الإسرائيلي، محاولةً متعمدةً لإحداث اضطراب اقتصادي، وبثّ الخوف النفسي، واختبار مصداقية منظومة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية وحلفائها. ومن الناحية الجيوسياسية، يُرسّخ هذا النظام مكانة الحوثيين ليس فقط كقوة إقليمية بالوكالة، بل كلاعب صاروخي ناشئ في تحالفات أوسع نطاقًا معادية لإسرائيل. عسكريًا، قد يُرهق تزايد مدى وسرعة هذه الأنظمة في نهاية المطاف طبقات الدفاع الإسرائيلية متعددة المستويات إذا ازداد معدل إطلاقها للصواريخ أو وابل الصواريخ المتزامن.
ربما يكون اعتراض 29 يوليو قد حال دون وقوع إصابات مباشرة، لكنه يُمثل لحظة فارقة في الأمن الإقليمي. إن استخدام جهة فاعلة غير حكومية لأسلحة تفوق سرعتها سرعة الصوت هو تذكير صارخ بالمشهد الصاروخي المتطور في الشرق الأوسط، حيث تتشكل عناصر الردع والتصعيد وضعف المدنيين بشكل متزايد من خلال التهديدات بعيدة المدى وعالية السرعة. بالنسبة للدفاعات الإسرائيلية، فإن الحفاظ على الهيمنة لن يعتمد الآن على التكيف التكنولوجي فحسب، بل وأيضاً على الاستخبارات الاستراتيجية الاستباقية وأشكال جديدة من التعاون الإقليمي.