حقّقت تركيا إنجازًا حاسمًا في طموحاتها في مجال الطيران والفضاء، حيث دخل النموذج الأولي الثاني لطائرة الجيل الخامس المقاتلة المحلية الصنع KAAN مرحلة تكامل النظام، وفقًا لتقرير صادر عن مسؤولي شركة TUSAŞ نشرته صحيفة Ulusavunma، في بداية سبتمبر.
يُؤكّد هذا التقدم عزم أنقرة على ترسيخ مكانتها بين الدول الرائدة في إتقان تكنولوجيا مقاتلات الشبح المتقدمة، لتنضمّ بذلك إلى الولايات المتحدة والصين وروسيا. هذا الإنجاز، ليس مجرد خطوة رمزية، بل يعكس الهدف الاستراتيجي الأوسع لتركيا، والمتمثل في بناء قوة جوية مستقلة خلال العقد المقبل، قوة لم تعد مُقيّدة بالاعتماد على الموردين الغربيين بعد استبعادها من برنامج F-35.
تُمثّل طائرة KAAN، المُصمّمة في إطار مبادرة الطائرات القتالية الوطنية، أكثر برامج الطيران والفضاء التركية طموحًا حتى الآن. طورتها شركة TUSAŞ، وهي مصممة لتحقيق التفوق الجوي، والضربات الدقيقة، والحرب الشبكية، حيث تتضمن أنظمة محلية الصنع مثل رادار مصفوفة المسح الإلكتروني النشط (AESA)، وإلكترونيات طيران متقدمة، ودعم الذكاء الاصطناعي، وميزات التخفي. أكمل النموذج الأولي P0 رحلتين تجريبيتين بنجاح في عام 2024، مما وفر بيانات أداء حاسمة أثرت بشكل مباشر على التصميم المحسّن للنموذجين الأوليين الثاني والثالث قيد التجميع حاليًا. وأكدت TUSAŞ أنه سيتم إنتاج ما يصل إلى ستة نماذج أولية لدعم حملة اختبار شاملة، ومن المتوقع أن تكون الرحلات الأولى للنسخ المحسنة في ربيع عام 2026.
تكمن مزايا KAAN في مزيجها من التخفي، وتكامل التكنولوجيا المحلية، والقدرة الإنتاجية المستقلة. من الناحية الاستراتيجية، فهي بمثابة رد تركيا على منصات مثل F-35 الأمريكية، وJ-20 الصينية، وSu-57 الروسية. على عكس الحلول المستوردة، تعد KAAN أنقرة بالسيطرة الكاملة على الترقيات، وأنظمة المهام، وسياسات التصدير، مما يعزز استقلاليتها الاستراتيجية. بينما يستفيد المنافسون من قواعد صناعية أكبر، تستفيد شركة KAAN من منظومة الطيران والفضاء المتنامية في تركيا، والتي سبق أن سلمت طائرات بدون طيار مثل Bayraktar TB2 وAkinci إلى الأسواق العالمية.
ويُظهر التزام إندونيسيا بشراء 48 طائرة زخمًا مبكرًا في مجال التصدير، في حين أُبلغ أيضًا عن اهتمام من دول مثل باكستان وأذربيجان وحتى بعض دول الخليج، وجميعها تراقب البرنامج عن كثب. بالنسبة للدول التي تبحث عن بدائل خارج نطاق الأنظمة الدفاعية الأمريكية أو الروسية، قد تبرز شركة KAAN كخيار عملي، لا سيما للقوات الجوية التي تسعى إلى تنويع الموردين وتجنب الاعتماد على قيود التصدير الغربية أو العقوبات الروسية. بالنسبة لتركيا، تُعزز هذه القدرة الردع في بيئة إقليمية متقلبة، مما يعزز التفوق الجوي ضد الخصوم المحتملين، ويعيد تشكيل توازن القوى في شرق البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط وما وراءهما.
يعكس برنامج KAAN أيضًا تحولًا أوسع نطاقًا في صناعة الدفاع التركية، التي نمت لتصبح واحدة من أكثر القطاعات ديناميكية وتنوعًا في السنوات الأخيرة. إلى جانب شركة TUSAŞ، تشارك شركات مثل ASELSAN وRoketsan وHavelsan بشكل كبير في البرنامج، حيث تُقدم إلكترونيات طيران متطورة، وأجهزة حاسوب للمهام، وتقنيات رادار، وأنظمة أسلحة من الجيل التالي تُزود طائرة KAAN بقدرات جو-جو ودقة توجيه الضربات. ويدعم جانب الدفع شركتا TRMotor وTEI، اللتان تعملان على تطوير محرك محلي، مما يضمن بقاء الطائرة خالية من القيود الخارجية.
ومن خلال الجمع بين التمويل الحكومي وابتكارات القطاع الخاص، أنشأت أنقرة قاعدة صناعية متينة قادرة على تصميم وإنتاج أنظمة متقدمة في المجالات البرية والجوية والبحرية. وتُعد KAAN في قمة هذا التطور، حيث تدمج التقنيات التي طورتها الشركات المحلية في منصة موحدة، وتُشكل حافزًا لمزيد من الابتكار. لا يُعزز هذا المشروع استقلالية تركيا الدفاعية فحسب، بل يُعزز أيضًا قدرتها التنافسية في سوق الأسلحة العالمي، حيث حققت أنقرة بالفعل نجاحًا ملحوظًا في صادراتها من الطائرات بدون طيار. بهذه الطريقة، فإن KAAN هي أكثر من مجرد طائرة مقاتلة: فهي ترمز إلى النضج الصناعي الجديد وقدرة النظام البيئي الدفاعي في تركيا على مواجهة أكثر التحديات الجوية الفضائية تعقيدًا.