تحليل: الإعتراضات الجوية و أدوات توسيع نطاق النفوذ

الإعتراضات الجوية و أدوات توسيع نطاق النفوذ 


احمد عادل 
باحث فى شئون الأمن القومى
فريق باحثى شبكة الدفاع


تعمل القوى الدولية والأقليمية بشكل دائم على تأمين مصالحها القومية بشكل مستمر ، إذ يمتد نطاق تلك المصالح سواء أكانت إقتصادية أو سياسية أو عسكرية فى أغلب الصراعات الى ما هو خارج حدود الدولة ذاتها ، الى جانب مناخ تأمين هذه المصالح التى قد تكون على شكل إستعادتها مره أخرى بعد فقدها نتيجة ضعف الدولة أو إنهيارها ، أو محاولة توسيع نطاق تلك المصالح عن نطاقها التقليدى الذى سيؤدى بشكل طبيعى الى الدخول فى نطاق مصالح دول أخرى مما يؤدى الى نشوب الصراعات ، او فى الشكل الأمثل وهو الوصول الى مرحلة تشبع المصالح وتأمينها من محاولات القوى الأخرى لتقليصها أو الإستحواذ على جزء منها .

وفى هذا السياق الذى يقع ضمن مناخ إستعادة النفوذ ، يسعى الوريث الشرعى للإتحاد السوفيتى السابق – روسيا – الى إستعادة مجال النفوذ الذى كان يؤمن مصالح الإتحاد السوفيتى ، وبالنظر الى أولويات مناطق تلك النفوذ سنجد بأن الإتجاه الغربى لروسيا – شرق أوروبا – على رأس تلك القائمة ، لذلك سعت روسيا الجديدة على إيقاف تمدد الإتحاد الأوروبى وحلف شمال الأطلنطى ( الناتو ) الى الشرق أكثر من ذلك من خلال ضم ما تبقى من دول حلف وارسو الى قوة حلف الناتو .

لقد سعت أوروبا منذ إنهيار الإتحاد السوفيتى الى إستقطاب دول شرق أوروبا – حلف وارسو سابقاً – سواء ضمن الإتحاد الأوروبى وهو الشكل السياسى والإقتصادى للمجتمع الأوروبى أو ضمن حلف شمال الأطلنطى ( الناتو )  وهو الشكل العسكرى لتوحيد جسد القارة الأوروبية ، ولتحرم روسيا من مجال نفوذها التاريخى بشرق أوروبا بشكل ممنهج وصحى وليس إجبارى ، من خلال وضع معايير ضم - لحلف الناتو كمثال – ترتقى بشكل تلقائى بتلك الدول ، وتجذب بشكل واسع ميول الرأى العام لتلك الدول الى جانبها ، مما يؤدى الى تقليص مساحة القبول الشعبى لروسيا ليزداد سمك الجدار المعنوى لدول شرق أوروبا فى وجهة روسيا .

وفى المقابل وبعد أن إستفاقت روسيا من صدمة إنهيار الإتحاد السوفيتى السابق ، بدأت فى النظر الى نطاقها الغربى ومنع – كهدف أولى - ما تبقى من دول شرق أوروبا ( اوكرانيا – بيلاروسيا )من الإنضمام الى الإتحاد الأوروبى ، وأيضاً منع دول مثل أوكرانيا – مولدوفيا – بيلاروسيا - فنلندا من الإنضمام الى حلف الناتو ، اما الهدف الثانى هو العمل على زعزعة ثقة دول شرق أوروبا فى جدوى الإنضمام الى جسد أوروبا الجديد بشقية ( الإتحاد الأوروبى – الناتو ) ، وذلك من خلال إجراءات لا ترتقى الى مستوى العمليات العدائية يتم العمل عليها بحيث تسبب إرتباك لمتخذى القرار الأوروبى فى حسم قرار موحد مضاد لروسيا .

لذلك بدأت روسيا فى تنفيذ اولى تلك المراحل من خلال تطبيق نظرية الحرب الهجينة والتى كان مفتاحها هم الأقلية الروسية فى أوكرانيا ، حيث تم ضم شبه جزيرة القرم الى روسيا بعد إستفتاء شعبى تم عقب قيام أعمال تمرد مسلح فى تلك المنطقة وظفتها روسيا بأشكال عده أسفرت فى النهاية عن نجاح أولى خطواط تمزيق الجدار الغربى لحدودها فى قطاعه الجنوبى ( أوكرانيا ) مع جس نبض مقاطعات أخرى مجاورة مثل أوديسيا و دونتسيك مما يؤدى الى تحويل أوكرانيا الى نموذج دولة فاشلة محسوبة على المجتمع الأوروبى ، ومن ثَم بدأت روسيا فى الإنتقال الى القطاع الشمالى لخلخلته والمتمثل فى منطقة البلطيق . 

هناك طبقت روسيا ضد دول البطليق ( لاتفيا – لتوانيا – استونيا ) شكلاً جديداً لهز الثقه ، وهو الإعتراضات والإختراقات الجوية ، والإنتهاكات البحرية ، حيث أقدمت المقاتلات الروسية فى 12 ابريل 2016على الطيران فوق المدمرة الأمريكية يو اس اس دونالد كوك بشكل قريب للغايه فى المياه الدولية قبالة السواحل البولندية أعقبه بعدة أيام إعتراض مقاتلات روسية طائرة إستطلاع أمريكية فى أجواء بحر البلطيق بشكل مَثْل خطورة على أمن وسلامة طائرة الإستطلاع الأمريكية ، بالإضافة الى إعتراض القوات الجوية الفرنسية قاذفتان إستراتيجيات روسيتان طراز  تى يو -160 على بعد 100كم فقط من الساحل الفرنسى فى سبتمبر من نفس العام ! ، حيث بلغ إجمالى تلك الحوادث ما بين مارس 2014 واغسطس 2015 أكثر من 60 حادث ، ترتب عليها نقاشات واسعة فى إطار حلف الناتو فى كيفية التعامل مع تلك الظواهر الروسية الجديدة ، إذ بينت تلك المناقشات فى مجملها إنقسام واسع فى وجهات النظر الأوروبية بين دول القسم الشرقى ودول القسم الغربى للمجتمع الأوروبى ، وهو ما راهنت عليه روسيا فى البداية ، ومجمل أسفرت عنه تلك المناقشات هو اُطر عامه غير محددة البنود للتطبيق لحماية دول البلطيق ، الى جانب عدم وضع إستراتيجية عمل واضحه لمنطقة كالينجراد الروسية التى تمثل ثغرة حيوية فى قلب دول البلطيق .

وبعد أن بيْنا فيما سبق النمط الروسى وأسلوب إختراقة لمناطق قد تكون بالنسبة إليه مناطق مغلقه ، يمكننا هنا أن نستنتج دلالة حادث إعتراض مقاتلتين روسيتين طراز سوخوى -35 لطائرة إستطلاع بحرى أمريكية طراز بى-8 فى أجواء شرق البحر المتوسط قُبالة السواحل السورية ، فيمكننا أن نرى بداية سيناريو فرض الإرادة والنفوذ على منطقة شرق المتوسط ، وما يؤكد ذلك هو توجية الرئيس الروسى فلاديمير بوتين لوزيرى الدفاع والخارجية لديه بالتشاور مع الجانب السورى فى حصول روسيا على مزيد من ( الأصول ) حول قاعدة حميميم الجوية وقاعدة طرطوس البحرية الواقعتين فى نطاق البحر المتوسط ، والتى أصبحتا قواعد تأمين للمصالح الروسية تتخطى المسرح السورى وتمتد الى الشرق منه فى سبيل فرض واقع جديد فى منطقة شرق المتوسط بموارده الحديثة وشبكة مصالحه التى قد ترى روسيا أنها تتعارض مع مصالحها ! .