تحليل: الدفاع الجوي الصاروخي الموحد بالمنطقة العربية.. المخاطر والفرص

في إطار الحراك الذي تشهده المنطقة العربية بقوة في هذه الحظة الزمنية الفارقة، حيث يبدو بأن هناك إرهاصات لإعادة تشكيل قوى المنطقة وتوازناتها من جديد، وذلك عقب عقدين ماضيين شهدا زوال قوى عربية من المشهد، ونشوء فراغات استراتيجية عميقة مع وجود رؤى لقوى إقليمية مجاورة يتصل بعضها بقوة بالمشهد العربي. ويأتي مع هذا في الوقت الحالي إطروحات نابعه من قوى دولية تسعى لبناء كيان أمني مكون من دول الإقليم العربي ودول غير عربية، لإيجاد حلول مشتركة تعاونية تساهم في التعامل مع التهديدات المتعاظمة في المنطقة حالياً، وهي تهديدات الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار. 


أولاً: مفهوم الدفاع الجوي والصاروخي بالمنطقة: مَن ضد مَن؟

- من هم قوى التهديد بالمنطقة:
يعتبر تحديد من هي قوى التهديد بالمنطقة، أحد ركائز بناء مفهوم صحيح لما يسكون عليه الدفاع الجوي والصاروخي للدول العربية بالمنطقة، وهي نقطة الخلاف والتشتت الأكبر في هذه المرحلة، إذ لا يوجد إجماع عربي أو حتى تجمع عربي لديه توافق على من هي الدول التي تمثل تهديد للمنطقة، وما هي ترتيبات تلك الدول من حيث التهديد، وأولويات التعامل معها، ويلاحظ  بأن المنطقة العربية قد تكون مقسمة بشكل كبير من حيث تحديد إتجاهات التهديد الرئيسية لها، فنجد بأن الحد الشرقي للمنطقة، والمتمثلة في دول الخليج العربي والعراق، ليست موحدة حول موقفها الأمني من إيران كدولة جوار للإقليم، في حين أن الدول العربية المُكونه للحد الشمالي الشرقي للمنطقة العربية وهم سوريا والعراق، قابعين حالياً في تصنيف الدول الفاشلة، حيث الإختراقات الخارجية وإنتشار الميليشيات خارج نطاق أجهزة الدولة.


في حين أن مجموعة الدول العربية في شمال إفريقيا لديها أيضاً أنواع وإتجاهات تهديد متباينة، فنجد بأن مصر لديها أكبر قدر من التهديدات والإتجاهات، إذ أنها تؤمن بخطورة إيران على أمنها القومي المرتبط بكتلة دول الخليج العربي، ولكنها ترى أن التعامل مع هذا التهديد يجب أن يكون دفاعياً وليس هجومياً، وأيضاً ترى بأن النهج التركي في شرق المتوسط والجوار الليبي تهديد يوضع في الإعتبار، في حين أن هناك مشكلة وجودية خاصة بالأمن المائي تقف فيها إثيوبيا في الجنوب بشكل عدائي، إلى جانب تهديد التنظيمات الإرهابية التي نجحت مصر في التعامل معها خلال السنوات الماضية، وأخيراً، هناك دولة جوار (إسرائيل) كانت لعقود طويلة العدو الأكبر لمصر، تضمنت أربع حروب شاملة، إلا أن الوضع حالياً يشهد حالة سلام سياسي لم يتم تعميقه ليكون شاملاً على أرض الواقع، فهي حتى الآن تستهدف عسكرياً أراضي دولة عربية مثل سوريا، لذا فإسرائيل لم تنتقل بعد إلى موضع الدولة الصديقة التي بموجبها تتمكن من أن تصبح هناك علاقات راسخة ومستدامة مع جوارها، لهذا فهي قد تتحول في المستقبل لعدو مع جوارها نتيجة تغيرات استراتيجية.


واستكمالاً لموقف الدول العربية جنوباً، فنجد بأنها جميعها (السودان – الصومال – جيبوتي – اليمن) تعاني مش إقتتال داخلي وعدم استقرار سياسي عدا جيبوتي، لذا فهي دول غير قادرة في الوقت الحالي على النظر خارج حدودها وتقييم الوضع بشكل حقيقي يمكن البناء عليه. أما الحد الغربي للدول العربية، فنجد بأن دولتا الجزائر والمغرب هما العدوان اللدودان لبعضهما البعض، في حين دول مثل موريتانيا وتونس بإمكانياتهم الإقتصادية المحدودة، لا يؤثران بشكل فعلى في المشهد المحيط بهم. وبناء على ما سبق، سنجد بأن المنطقة العربية لديها خمسة تهديدات خارجية متفاوتة الدرجات، منهم أربعة دول وهم: إيران – تركيا – إسرائيل – إثيوبيا، بالإضافة إلى تهديد عالمي خامس يتمثل في التنظيمات الإرهابية، وسيكون من الخطأ الكبير حصر وتعريف التهديد من قِبَل منظور واحد دون تضمين باقي التهديدات ضمن استراتيجية تأسيس منظومة الدفاع الجوي والصاروخي الموحد للمنطقة العربية.   

 
- التهديدات وإمكانياتها و إتجاهاتها:
تتمثل التهديدات التي يتم طرح مشروع منظومة الدفاع الجوي والصاروخي للتعامل معها بشكل إجمالي من ثلاث عناصر:
أ‌- صواريخ باليستية.
ب‌- صواريخ جوالة.
ت‌- طائرات بدون طيار.
وهي عناصر تمتلكها جميعاً كل من إسرائيل وإيران، بينما تمتلك تركيا منها البند الثاني والثالث، وتمتلك بعض التنظيمات الإرهابية البند الثالث، ولا تمتلك إثيوبيا أى من هذه العناصر الثلاث.


وتعتبر الصواريخ الجوالة والطائرات بدون طيار عناصر يمكن للدول التي تمتلك نظرياً شبكة دفاع جوي تقليدية التعامل معها بشكل كبير مثل مصر – السعودية – الجزائر – الإمارات – البحرين – الكويت – قطر – الاردن، بينما عنصر تهديد الصواريخ الباليستية يستلزم وجود مكونات إضافية داخل منظومة الدفاع الجوي، متمثله في الإنذار المبكر بالاقمار الصناعية ورادارات بعيدة المدى، وأيضاً منظومات دفاع جوي وصاروخي تستطيع التصدي للصواريخ البالستية بخصائصها التي لا تستطيع منظومات الدفاع الجوي العادية التصدي لها.     

   
وتتفاوت إمكانيات عناصر التهديد الثلاث الصواريخ الباليستية – الصواريخ الجوالة – الطائرات بدون طيار نظراً لتفاوت خصائص كل منهم، فنجد بأن الصواريخ الباليستية لديها القدرة على تخطي منظومات الدفاع الجوي التقليدية التي تستطيع التصدي للطائرات النفاثة ذو سرعات تتراوح من 300متر/ثانية إلى 700متر/ثانية، بينما الصواريخ الباليستية حين إنطلاقها تأخذ مسارات خارج الغلاف الجوي – في حالة الصواريخ بعيدة المدى – ثم تعود وتدخله أعلى نطاق الهدف المراد استهدافة بسرعات تبدأ من 1900متر/ثانية وتصل إلى 7000متر/ثانية، لذلك فهي تحتاج لمنظومات دفاع صاروخي لديها قدرات تصدي تكافئ هذه المعدلات.


إلي جانب هذا، فإن تعدد اتجاهات التهديد يفرض بشكل كبير مضاعفة قدرات التصدي المطلوبة، إذ وجود ثلاث قوى تمتلك قدرات صاروخية بمحيط المنطقة العربية يحتم على الجيوش العربية أن تعمل على استراتيجية مواجهة تتسق مع رؤية حقيقية للتهديدات، وقناعة راسخه في مواجهة هذه التهديدات بشكل حقيقي، إلى جانب تغليب المصلحة العليا للأمن القومي العربي على رؤى فردية قد تكون قاصرة تؤثر على فكرة التكوين الموحد لمواجهة التهديد.


- استراتيجية الدفاع الجوي والصاروخي:
إن بناء استراتيجية في هذا الإطار قد تختلف من عقيدة عسكرية لأخرى، إذ أن هناك استراتيجات قد تتبنى في تكوينها ورؤيتها إجراءات الإنذار المبكر والمتابعة والقيادة والسيطرة لتحديد مهام التصدي وأولوياته، وهناك استراتيجيات قد تضيف على المراحل السابقة مبدأ تدمير مصادر النيران سواء كانت قواذف الصواريخ الباليستية والجوالة الثابتة أو المتحركة، أو محطات الإطلاق والسيطرة على الطائرات بدون طيار ، وهو عنصر يتطلب موارد عسكرية مضافة ومكلفة للغاية، إذ يستلزم ذلك القدرة على استطلاع عمق العدو بشكل مستمر لرصد هذه الأهداف، ومن ثم موارد عسكرية أخرى تستطيع توجية ضربات سريعة ودقيقة لتدميرها حال إكتشافها، من خلال ضربات مكونة من طائرات مقاتلة جاهزة للاستجابة، أو صواريخ بعيدة المدى دقيقة، وفي حال أى من الأسلوبين فهما معرضان لتهديد من وسائل الدفاع الجوي ومقاتلات العدو التي يتوقع بشكل كبير أن تتواجد لتأمين عمقه.   


- متطلبات التكوين والاستدامة:
إن بناء استراتيجية موحدة لإنشاء نظام دفاعي جوي وصاروخي موحد بالمنطقة، هو أولى الخطوات التي يجب إنهائها بشكل صحيح، والتي ستحتاج في مضمونها إلى تعريف المفهوم، إذ أن بعض العقائد في هذا الصدد تُدرج ضمن مفهومها بند مهم، وهو تدمير مصادر التهديد كأحد مراحل التصدي لنظام الدفاع الجوي والصاروخي، وهذا يتطلب موارد هجومية مضافة قادرة على العمل المستدام في مسرح العمليات لتدمير قواذف الصواريخ الباليستية ومحطات التحكم والإطلاق للطائرات بدون طيار التي تكون جميعها في الأغلب متحركة وليست منصات ثابتة. 
ثم تأتي مرحلة تكوين بنية تحتية بكافة جوانبها (الإنذار المبكر المشترك والقيادة والسيطرة – قدرات الدفاع الإيجابي – قدرات مهاجمة مصادر التهديد) قادرة على الاستجابة السريعة للتهديدات المتنوعة ومختلفة الإتجاهات، بحيث تتحول تدريجياً من أداة للتصدى، إلى أداة ردع لقوى التهديد التي تُصِل تكلفة العمل العدائي المتوقع من تلك القوى إلى أن تكون ليس ذو جدوى من تنفيذها، أو تتحول لخطوة استنزاف للخصم بدلاً من أن تكون خطوة ضاغطة على المنطقة العربية.  


وأخيراً يتم وضع نهج مشتريات موحد لكتلة الجيوش العربية في إطار الدفاع الجوي والصاروخي الموحد، ويتم من خلال هذا النهج ضخ الميزانيات المخصصة لهذا البند للاستثمار بعيد المدى لتامين هذا الجانب بشكل أكبر على المدى المتوسط، سواء من خلال تنويع مصادر المشتريات بشكل يلبي متطلبات التهديد بشكل أسرع، أو من خلال التصنيع المشترك الذي سيكون له فوائد استراتيجية كبيرة حال البدء في تنفيذ خطواتة.  


ثانياً:  القدرات العربية: المتاح والمطلوب:
- منظومات الدفاع الجوي متوسطة المدى بالدول العربية:
تمتلك الجيوش العربية نظرياً مختلف منظومات الدفاع الجوي المُصنعة عالمياً، ويرجع ذلك إلى تراكم المشتريات العربية المتنوعة على مدار العقود الماضية، إذ كانت تتبنى بعض جيوش دول الخليج العربي والأردن إبتداءً من سبعينيات القرن الماضي شراء منظومات دفاع جوي متوسطة المدى غربية، وبالأخص أمريكية وبريطانية، في حين أن دولً مثل مصر وسوريا والعراق وليبيا والجزائر في بداية تكوين جيوشها الحديثة في خمسينيات القرن الماضي، كانت تقتني مشترياتها من الصناعات السوفيتية حينئذ، ثم نوعت بعض تلك الدول من مصادر مشترياتها نتيجة تغير ظروف سياسية وبدأت في شراء منظومات أمريكية مثل مصر، وبالتالي أصبح هناك تنوع فريد بالمنطقة يتيح تشكيل منظومة عمل قوية لحماية الأهداف الحيوية العربية.


- التهديدات قدرات الصد الواجب توافرها:
يمكن إجمال حجم القدرات الموجودة حالياً للقوى الغير عربية المحيطة بالمنطقة سالفة الذكر، في ظل عدم تحديد واضح لدولة التهديد وتجاهه، لذلك سيتم إعتبار القدرات الصاروخية الباليستية المتوفرة لدى كل من إيران وإسرائيل ضمن معادلة التهديد، إذ تقدر أعداد الصواريخ الباليستية لدى حزب الله بـ 3000 صاروخ  مختلف المديات، أغلبها يتم إطلاقها من قواذف متحركة على عربات، والبعض منها يتم إطلاقة من منصات ثابتة من داخل كهوف جبلية داخل إيران، وبالنسبة لإسرائيل، فإنها تمتلك سلسلة من الصواريخ الباليستية مختلفة المديات تصل أقصاها إلى 4800كم ، ولكنها غير معلومة الأعداد نظراً للسرية الشديدة التي تفضرها إسرائيل على برامجها الصاروخية الباليستية.


وعند تحديد معاملات التصدي الواجب توافرها في منظومة الدفاع الجوي والصاروخي العربية، فإن تحديد الأهداف الحيوية في كل دولة مشاركة ضمن هذا التحالف يعد عنصراً أساسياً لتحديد الأعداد المطلوبة من كتائب الدفاع الجوي والصاروخي، والخصائص العملياتية الواجب توافرها في هذه الكتائب، بالإضافة إلى حساب مخزون الذخائر من الصواريخ الخاصة بتلك الكتائب الواجب توافرة لضمان استمرار  حماية الأهداف المخصصة لكل منها، إذ أن معدلات التصدي للصواريخ الباليستية تقدر بإطلاق 2:4 صاروخ دفاع صاروخي لتدمير صاروخ باليستي واحد، وهذا يعني – في حال حساب قدرات إيران الصاروخية فقط – بوجوب توافر مخزون من صواريخ الدفاع الجوي والصاروخي يقدر بـ 6000: 12000 صاروخ، مع الوضع في الإعتبار بأن هذه الأعداد ستوزع على كامل الدول العربية المشاركة في منظومة الدفاع الجوي والصاروخي.   


ثالثاً: مبادرات التحالفات المطروحة:
- القوة العربية المشتركة:
هي قوة تم إقتراح إنشاءها من قبل الرئيس المصري عام 2015، وكانت تهدف إلى إحياء الدفاع المشترك العربي الغير مفعل داخل جامعة الدول العربية، وقد نصت في مادتها الثانية بالآتي"تنشأ بموجب هذا البروتوكول قوة عربية عسكرية مشتركة للتدخل السريع، تشارك فيها الدول الأطراف اختياريا، هدفها مواجهة التهديدات والتحديات بما في ذلك تهديدات التنظيمات الإرهابية، والتي تمس أمن وسلامة واستقرار أي من الدول الأطراف وتشكل تهديدا مباشرا للأمن القومي العربي" وفي  مادتها السابعة فيما يخص القيادة بالآتي " تعين الدولة الطرف التي تنفذ المهمة على أرضها قيادة ميدانية لمسرح العمليات من الدول الأطراف المعنية بهذا المسرح، وتخطر مجلس رؤساء الأركان، وفي حالة وجود مانع لهذا التعيين، يتولى مجلس رؤساء الأركان ذلك" ، ولكنها مبادرة لم يستكمل إجراء تشكيلها حتى الآن نتيجة لظروف سياسية.
- قوة درع الجزيرة:
وهي القوة التي تم إنشاءها في الثمانينات، وشكلت من الدول العربية المطله على الخليج العربي عدا العراق وهم الكويت – السعودية – البحرين – قطر – الإمارات – عمان، وقد تم دمجها مؤخراً بالقيادة العسكرية الخليجية الموحدة في إفتتاح مقرها الجديد بالرياض في نوفمبر 2021  في إطار دول مجلس التعاون الخليجي، وتقتصر مهام هذه القوة في الدفاع عن دول المجلس فقط، وبإشتراك كافة الأفرع والأسلحة في تلك الدول، حيث تتم مناورات مشتركة بين تلك القوات باستمرار سواء فيما بينهم أو بمشاركة دول من خارج المجلس.
- الناتو العربي:
هي فكرة أثيرت في فترات عديدة مؤخراً من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص، وذلك في إطار سعيها لإيجاد تكتل تستطيع الإعتماد عليه في أمن المنطقة بشكل مشترك معها، بسبب محاولاتها لحشد كافة مواردها العسكرية لمواجهة إيران في جنوب شرق آسيا، لذا فإن هذا المقترح في الأساس يضع إيران عدواً مباشراً، في حين أن بعض الدول العربية لا تعتبرها كذلك، ولا تنتهج مبدأ العداء والإنضمام لتحالفات تبنى على مهاجمة الآخر، لذلك فإن مقترح الناتو العربي يرجح بشكل كبير أنه لن يرى النور في المستقبل القريب على الأقل، وذلك لعدم توافر أسس نجاحه التي تعتمد على مواقف دول بعينها مؤثرة في المنطقة مثل مصر والسعودية ، بالإضافة إلى ضرورة توافر إرادة سياسية لدول لأغلب دول المنطقة ترى في ردع إيران بالقوة الاستباقية ضرورة، وهو ما لا يوجد الآن.    


ومن المخاطر الجامة التي ستترافق مع هذا الناتو العربي، هو أنها ستجعل – حال مهاجمة إيران – دول الخليج العربي هي خط الدفاع الأول عن إسرائيل، إذ سيكون عليها عبئ إمتصاص جزء من الصواريخ الإيرانية التي ستطلق على إسرائيل سواء كانت ضربات استباقية أو إنتقامية، في حين أن إسرائيل ستصبح غير مفيدة بالمرة للدول العربية خاصة دول الخليج حال مهاجمة إيران لهم، لذلك فإن المستفيد الأول وقد يكون الوحيد من هذه الفكرة هي إسرائيل فقط دون غيرها، حتى الولايات المتحدة، فأصولها منتشرة بدول الخليج بشكل أساسي، مما سيجعلها تلقى نفس مصير دول الخليج من حيث الخسائر.


- مخاطر التحالفات المستحدثة من خارج المنطقة: 
لا تعد مبادرات التحالف في حد ذاتها خطرة، على العكس، فإن المنطقة العربية في أشد حالتها لوجود تجمع عربي أمني موحد يستطيع مجابهة التهديدات التي تتعاظم مع مرور الوقت، ولكن مخاطر مبادرات التحالف الآتية من الخارج تكمن في أنها تحمل صبغة رؤية غير عربية، ترى الأمن من منظورها خارج المنطقة التي تعتبرها أحدى المناطق الاستراتيجية التي تؤثر عليها، مع عدم الوضع في الإعتبار العوامل السياسية والقومية والدينية اللازمة للبناء عليها مع خصوصية المنطقة العربية، على خلاف النسخ المراد تطبيقة من النموذج الأوروبي ذو الخصائص الدينية والجغرافية والعرقية المختلفة كلياً عن المنطقة العربية، والذي تخطى بموجبها على مدار قرون عقبات طائفية وإثنية ودينية في بعض الحالات كانت ناتجة عن حروب طاحنه شهدتها الأمم الأوروبية لقرون عديدة.


وعند تطبيق نموذج تحالفي بالمنطقة العربية، فيجب أن يوضع في الإعتبار موقف إسرائيل التي مازالت تمثل عدو لبعض الدول العربية، على الرغم من أجواء السلام السائدة في المنطقة، إذ أنها مازالت تحتل أراضي دول عربية مثل سوريا ولبنان، إلى جانب استباحتها المستمرة لحقوق الشعب الفلسطيني في كامل الأراضي المحتلة ومياهها، وستبلغ تكلفة إدماج إسرائيل (عسكرياً) في تكتل عربي أخطار جامة على الأمن القومي العربي والإسلامي، إذ سيشكل ذلك إحياء خصب وممتد وغير محدود لنمو التطرف الديني في المنطقة ككل، إذ أن أغلب القاعدة الشعبية العربية حتى الآن ترى في إسرئيل عدو لها، وبالتالي حين ترى تلك الشعوب دمج إسرائيل في شراكات عسكرية مع دول عربية، سيكون ذلك مثار شحن معنوى عاطفي وديني كبير، ستستغله الجماعات الدينية المتطرفة بشكل مثالي لبناء قاعدة شعبية لها، وتحويل العداء بشكل صريح للدول التي ستندرج في هذه الشراكات، ما يمثل بشكل واضح، بدء موجة تطرف ديني مصحوب بأعمال إرهابية شديدة الخطورة بالمنطقة العربية. إلى جانب تهديد قواعد السلم المجتمعي والقواعد الراسخة في قوميات دول المنطقة، ما ينذر على المدى المتوسط والطويل بتصدع عقائد جيوش المنطقة العربية، والتي تستقي أفرادها من البيئة المجتمعية التي ستكون هشة للغاية ما سينعكس مباشرة على فكرة الجيوش القومية وبالتالي فكرة القومية الوطنية في حد ذاتها، وهو ما ينذر بتغير شكل المنطقة الحالي جذرياً.    


رابعاً: نحو نموذج دفاع جوي وصاروخي يناسب مفهوم المنطقة:
إن بناء منظومة دفاع جوي وصاروخي عربي ناجح، يجب أن يراعي في إنشاءة عوامل تضمن تحقيق المهام الدفاعية المطلوبة بشكل مستدام، وتمثل أهم عوامل النجاح الآتي:
1- توحيد التهديد
وذلك بمراعاة المخاطر التي تهدد كل الدول العربية، أو على الأقل الدول العربية الراغبة في الإنضمام لهذا التحالف، إذ سنجد – كما ذكرنا سابقاً – بأن هناك دولتان غير عربيتان بالمنطقة لديهم صواريخ باليستية وجوالة وطائرات بدون طيار تهدد الأمن القومي العربي، وهم إيران وإسرائيل.
2- ربط الإمكانات التصنيعية العربية 
إذ توجد حاليا برامج تصنيعية عربية في طور الإنطلاق بشكل واعد، خاصة في الإمارات والسعودية، وحين تكوين شراكات مع دول ذات عراقة تصينية عسكرية كمصر، فإن هناك فرص كبيرة تستطيع منها شركات الصناعات العسكرية العربية سواء خاصة أو حكومية، من إمتلاك منظومة دفاع جوي وصاروخي عربية بالكامل في غضون 10:8 سنوات عمل، فهناك موارد مالية وبشرية وفكرية يمكن من خلال العمل المشترك الوصول لإكتفاء ذاتي عربي من بعض الأسلحة الحرجة التي تلاقي فيها الدول العربية (رغم وجود وفرة مالية) صعوبة في إقتاء ما يلزم منها لسد الإحتياجات الدفاعية.  
3- بناء شراكات دولية على أرضية عربية:
يمكن في حال تكوين شراكات عربية قوية على مستوى الدول العربية التي لديها قواعد صناعية عسكرية واعدة (مصر – الإمارات – السعودية) من فتح مجال للشراكات مع نظراهم على مستوى العالم، مما يفتح أفق التطوير العالمي أمامي المنتج العربي الجديد، وأيضاً يضيف مميزات المدارس الصناعية الدولية خاصة الأمريكية والفرنسية والألمانية والروسية والكورية الجنوبية في هذا المجال، ما يجعلها جاذبة أكثر للاستثمارات الخارجية التي تريد الحصول على حصة من التكتل الصناعي الجديد.