تحليل: تحدى التعدد ..والوصول للحد الأقصى من الفاعليه

تحدى التعدد ..الوصول للحد الأقصى للإمكانيات 


بما أننا فى طوّر ختام العقد الثانى من القرن الواحد والعشرون ، فقد أضّحَت الكثير من القواعد الدولية التى كانت تحكم وتُكبّل تحركات الكثير من دول العالم الأن غير قابله للتنفيذ ، وبالأخص ما يرتبط بالمجال العسكرى الذى كان مقولباً منذ الحرب العالميه الثانيه فى معسكريه الشرقى والغربى ، وما تبعه من عقدين تقريباً يحاول العالم إستيعاب الشكل الجديد للعلاقات الدولية بعد تفكك الكتله السوفيتية ، ونتحدث هنا بشكل أدق عن حركة التسليح الخاصة بالدول التى كانت تستند الى مصادر تسليح محدده .


فقد سمح إعادة تشكيل النظام الدولى عقب سقوط الإتحاد السوفيتى بمساحه واسعه أكثر للعديد من دول العالم التى كانت مضطره الى إقتناء معداتها وتسليحها من مصدر وحيد ، خصوصاً تلك الدول التى كانت تحت مظلة الكتله السوفيتية ، وأرتأت مصالحها فى الإنضمام الى كتلتها العدو سابقاً "حلف الناتو" ، بشرط إعادة تنظيم وتسليح جيوشها بمعايير الحلف الجديد حتى لا تصبح عبئ أكثر مما هى إضافه ، الى جانب بقعه جغرافية أخرى "المنطقة العربيه" التى أثرت فى إتجاهاتها التسليحيه أيضاً أحداث العقد الأول من القرن العشرين كغزو العراق فى 2003 وأحداث 2011 فى عدة دول عربية لم تنتهى تبعاتها بعد بجزء ليس باليسير بالمنطقة .


فعلى سبيل المثال سنجد بأن هناك دول كان بها شبه إستقرار فى مصادر التسليح الرئيسية ( العراق – مصر – ليبيا – سوريا ) ، فإذا أخذنا أحد الأفرع الحيوية فى أسلحة الجو لتلك الدول "المقاتلات" سنجد بأن هذه الدول كانت لما يقارب الثلاثون عاماً تستند فى مشترايتها على مصدر رئيسي واحد تقريبا نسبة لباقى المصادر الأخرى ، فسلاح الجو العراقى والسورى والليبى كان قوام مقاتلاتهم الرئيسية هى مشتريات سوفيتية المنشأ ، على خلاف مصر التى كان قوام مقاتلاتها الرئيسى هى مشتريات أمريكية المنشأ .


ورغم إشرافنا على دخول العقد الثالث من القرن الواحد والعشرون ، لم تُمكّن الأحداث السياسة الدولية والإقليمية دول كسوريا وليبيا من الإستقرار النسبى الذى يسمح بإعادة بناء قوته العسكرية أو على الأقل ظهور ملامح لإتجاهاتها الجديده ، ولكننا سنجد بأن العراق ومصر إستطاعا الخروج من مرحلة عدم الإستقرار  ، وبناء رؤيه لنهج تحركهم الخاص بمصادر التسلح التى تختلف فيما بينهم بإختلاف الظروف الداخلية والعلاقات الإقليمية وإستقلالية القرارات الدولية ، فقد نقل العراق مصدر تسليحه الرئيسى من الشرق "الإتحاد السوفيتى" الى الغرب بشكل مباشر "الولايات المتحدة الأمريكية" مع عدم الحفاظ على المصدر الأول ، بينما إنتهجت مصر مبدأ تعدد مصادر التسليح من خلال إستبدال المصدر القديم "الولايات المتحدة الأمريكية" الى أكثر من مصدر جديد "روسيا – فرنسا – و خيارات أخرى" مع الحفاظ على المصدر الأول . 


لهذا سنجد أن التأقلم والتوظيف للطرازات المقاتله الجديدة مع نظيراتها من باقى الطرازات لهو عامل حيوى بالنسبه لأسلحة الجو التى تتميز بتنوع طرازاتها ، لكى تصل الى الحد الأقصى للقوة القتالية الجوية لكامل منظومة العمل فى سماء المعركة ، إذ غالباً ما يستحوذ الإسناد الفنى واللوجستى على المجهود الأكبر من مفاهيم التعامل لأسلحة الجو التى تتميز بتعدد طرازاتها المقاتلة ، فلا شك بأن التأمين الفنى يمثل القاعدة الصلبه التى تُبنى عليها كامل منظومة العمل بأسلحة الجو ، ولكنها يجب أن لا تمثل أكثر من ثلث المجهود الخاص بالتعامل مع تعددية الطرازات المقاتلة .


فنحن هنا لا نتحدث على مستوى الفرد وتأهيله للتمكّن الكامل من إستخدام معداته "كعدد ساعات الطيران بالنسبه للطيارين" والذى لا يمكن إغفاله بالطبع ، ولكن الحديث هنا ينّصَب على المستوى التعبوى والإستراتيجى فى التوظيف المتكامل للطرازات المقاتلة المختلفة للوصول بها الى الحد الأقصى من الفاعليه ، فعلى سبيل المثال سنجد أن سلاح جو الإحتلال الإسرائيلى بالرغم من عدم قدرته على تنويع مصادر تسليحه لظروف سياسة وإقتصادية مختلفه ، إلا أن لديه ميزه التوظيف الأمثل للطرازات المقاتلة التى تنضم إليه بشكل سريع وفعال .


فعلى الرغم من وصول اول مقاتلتين من طراز اف-35 اليه فى ديسمبر 2017 ، إلا أنه أعلن رسميا فى مايو 2018 عن بدء الإستخدام القتالى لها فى جبهتى قتال مختلفتين "يرجح سوريا والعراق" ،أى أنه إستطاع خلال ستة أشهر فقط من إستيعاب الفكر الجديد لذلك الجيل المتطور ب9 طائرات فقط هى من وصلت إليه فى حينه ، أى أن سلاح جو الإحتلال لم ينتظر حتى إكتمال تشكيل السرب الأول تنظيمياً ، وأدخلهم فى مسرحى عمليات مليئين بالعديد من التشابكات والقوات سواء فى السماء أو على الأرض ، وللعلم فلم تكن هذه التجربه هى الأولى لسلاح جو الإحتلال فى ذلك الشكل من الإستيعاب ، فقد كانت عملية إستهداف المفاعل النووى العراقى "عملية أوبرا" فى شهر يونيو1981 والتى كانت مقاتلات الاف-16 هى القوة الضاربه لها ، على الرغم من مرور أقل من عام على وصول تلك المقاتلات فى يوليو 1980 ، وضد هدف فى عمق دوله معاديه فى أوج إستنفارها العسكرى نتيجة حربها مع طرف ثالث .


فمن حيث النظر الى خصائص وقدرات المقاتلات المختلفه ، نجد بأن مفهوم التكامل الذى نتحدث عنه له أبعاد وحدود لا نستطيع تخطيها بشكل كبير ، إذ أن التقنيات الحديثه التى تتميز بها مقاتلات الجيل الرابع وما فوقها تضع قيود فى مسألة دمج قدرات التواصل الشامل بين طراز وآخر ، خصوصاً إن كان هذا الطراز من مدرسه صناعية مختلفه ، فهناك بعض الجوانب مثل تبادل البيانات والإنذار المشترك وتوجيه وإستخدام ذخائر الطائرات الأخرى قد تواجهة عقبات برمجيه وتقنيه كثيره ، نتيجة لمحاذير المصنعين فى إمتلاك أو حق الدخول الى البرمجيات الدقيقه الخاصه بتلك المقاتلات والتى تمثل الجوهر التقنى لها .


ونتيجة لذلك نجد بأن مجال التوظيف المتاح أصبح فى الخصائص التكتيكيه لتلك الطرازات ، والتى تتمثل فى قدرات الفرد المقاتل "الطيار" فى الوصول الى سقف المحددات لكل طراز  ، والتى هى أيضاً لم تعد مفتوحه كمثيلاتها من الطائرات المقاتلة ما قبل الجيل الرابع ، فقد دخلت نظم التحكم فى المقاتلات فى وضع حدود قصوى لخصائص المقاتلات لكى تتجنب ما كان يحدث فى الأجيال السابقه من أخطاء بشرية تؤدى بالإستخدام التكتيكى الى الخروج لحدود لا تستطيع المقاتلة الإستجابه له ، كحدود المناورات "g Force" وزوايا الهجوم القصوى "Angle Of Attack" وسرعة الإنهيار "Stall Speed" الخاصه بكل طراز ، ومع هذا فالتوظيف التكتيكى ليس هو ما نطرحه هنا بالأساس ، ولكنه التوظيف التعبوى / الأستراتيجى .


فإذا اخذنا كمثال أحد أسلحة الجو العالمية التى تمتلك أكثر من 3 مصادر تسليح مختلفة فى فئة طائراتها المقاتله ، سنجد بأن سلاح الجو المصرى لديه 4مصادر تسليح لتلك الفئه :
1- الولايات المتحدة الأمريكية : F-16
2- فرنسا : Mirage-5 \ Mirage-2000 \ Rafale\ Alfajet
3- روسيا : Mig-29 \ Su-35
4- الصين : K-8 


تُكَوِن تلك الطرازات التشكيل المثالى لأى سلاح جو يُكلف بتنفيذ أى مهام تُسند إليه ، إذ هناك الطراز المثالى لتنفيذ هجمات ضد أهداف برية بمدى تكتيكى جيد (F-16 \ Mirage-5) ، وطراز يُقدم إسناد قريب فعّال للقوات البرية على خطوط القتال (Alfajet) ويؤمنه إلكترونياً طراز كفء (Mirage-2000) ويوفر لهم حماية جوية جيده كالطراز (Mig-29) ، هذا بخلاف قدرات الضرب بعيد المدى بذخائر عالية الدقه ذو مدايات عمل كبيره للطراز (Rafale) مع قدرات حماية جوية بمقاتلة إعتراضيه بإمتياز كالطراز (Su-35) .


كل ما سبق يمثل سرد نظرى لبعض المميزات التى تتوفر لأحد أسلحة الجو التى ذُكرت كمثال ، فإكتمال الفاعليه القتالية الشامله لأى سلاح جو ، تتوقف على صياغة أفكار إستخدام قتالى غير نمطى تُظهر القدرات الكامنه فى سماء المعركة ، والتى مع إتساع مجالات و نطاقات العمل للتسليح الجوي تُفسح المجال لتنفيذ مهام متقدمه تؤثر بشكل مباشره على سير العمليات الجوية على كافة إتجاهاته وأعماقة وبالتالى فى كامل نطاق ومستويات مسرح العمليات ، لذا فإن توظيف مقاتلة مثل Su-35 فى مهام كانت موكله فى السابق للMig-21 دون إعادة النظر فى الإمكانيات الإضافة التى أصبحت متاحه بمثابة إهدار للموارد قتالية ، و ليس المقصود هنا إطالة مدى العمل القتالى وفتح نطاقه ، ولكن طرح فكر قتالى على نطاق تعبوى يؤدى فى النهايه الى نصر إستراتيجى .