على الرغم من مرور ما يقارب العشرة أيام على
توجية إيران للضربة الصاروخية الثانية على إسرائيل في 1 أكتوبر 2024، إلا أن
إسرائيل حتى الآن تتفاوض مع الجانب الأمريكي على شكل الضربة الجوية الإسرائيلية
على إيران، وحساب حدود تبعاتها. وقد توقعت أن إسرائيل إذا كانت لديها نية لتوجية
ضربة لإيران دون الرجوع للولايات المتحدة، فإنها سترد بضرب البرنامج النووي
الإيراني في غضون 72 ساعة كحد أقصى من الضربة الصاروخية الإيرانية الأخيرة. وإن
كانت سترد بشكل محسوب بتوازنات مع الولايا المتحدة، فستكون الضربة في حدود 10 إلى
15 يوم، وستكون في الإغلب لا تستهدف بشكل رئيسي البرنامج النووي الإيراني.
وعلى كل الأجوال فإننا جميعًا ليس لدينا شك
في حدوث هذه الضربة الجوية، ولكن السؤال هنا: كيف ستكون شكل تلك الضربة الجوية؟ وما
قدرات إسرائيل على ذلك؟
وفي المحاولة للوصول لإجابة، سنستبعد من كلا
الجانبين بند الحرب الإلكترونية والحرب الحرب الإلكترونية المضادة، بسبب عدم
القدرة على قياسها لطبيعة عملها.
أولاً: حجم القوات الجوية الإسرائيلية:
سنركز في الرصد على الطرازات التي يرجح أن تشترك
في هذه الضربة، وهي كالآتي:
- F-15
بعدد ثلاث أسراب (بإجمالي 75 طائرة).
- F-16
بعدد تسعة أسراب (بإجمالي 196 طائرة).
- F-35
بعدد سربين (بإجمالي 39 طائرة).
- Beech A36
(حرب إلكترونية).
- Gulfstream
(إنذار مبكر وقيادة وسيطرة).
- KC-707
بعدد سرب واحد (بإجمالي 6 طائرات).
هنا سنجد بأن إجمالي المقاتلات الإسرائيلية
القادرة الإشتراك في الضربة هي 310 مقاتلة. مع تجنيب نسب الصلاحية الفنية أو نسبة
الطيارين إلى الطائرات لعدم تأثيرها في هذه النوعية من المهام.
ثانيًا: حدود القدرة الجوية الإسرائيلية على
توجية ضربة جوية بعيدة المدى:
نظرًا لبعد المسافة بين إيران وإسرائيل، لذا
لا مفر للقوات الجوية الإسرائيلية من الإعتماد على طائرات التزود بالوقود، وسنركز
هنا على ما لديها فقط، واستبعاد أى دعم قد تحصل عليه من الولايات المتحدة أو
غيرها.
وعلى الرغم من أن طائرات التزود بالوقود
الإسرائيلية من طراز KC-707،
إلا أننا سنبني حساباتنا بالقياس على الطائرة KC-135 التي تتشابة تقريبًا معها في
الحمولات، نظرًا لعدم القدرة على الحصول على معلومات عن الطائرة KC-707 لطرازها العتيق.
لذا سنضع بعض الأرقام الأساسية لقياس كميات
الوقود (بالرطل):
- KC-135
حمولتها من الوقود لتزويد الطائرات الأخرى 83.000 رطل.
- F-15
حمولتها من الوقود الكلي 35.550 رطل.
- F-35
حمولتها من الوقود الكلي 18.498 رطل.
- F-16 حمولتها من الوقود الكلي 12000 رطل.
سنستبعد حساب كل من طائرات الإستطلاع والحرب
الإلكترونية لقدرتها على قطع هذه المسافة ذهابًا وإيابًا دون الحاجة للتزود
بالوقود في الجو.
وعلى إفتراض أن المقاتلات
الإسرائيلية المذكورة ستنفذ ضربتها بكامل حمولتها من القنابل والوقود، وفي طريق
العودة ستحتاج إلى إعادة التزود بالوقود عند فقدانها 75% من وقودها، لذا نجد بأن
هذه المقاتلات ستحتاج إلى الكميات الآتية من الوقود أثناء العودة لكل طائرة:
- F-15
ستحتاج إلى 26.600 رطل.
- F-35
ستحتاج إلى 13.800 رطل.
- F-16
ستحتاج إلى 9000 رطل.
هذا يعني أن كل طائرة KC-707 يمكنها أن تزود إما ثلاث
طائرات F-15،
أو ستة طائرات F-35،
أو تسعة طائرات F-16.
وبالتالي؛ بحساب عدد طائرات التزود بالوقود (ستة
طائرات) مع حساب متوسط المقاتلات لكل منها (6 طائرات)، نجد بأن إجمالي قدرة القوات
الجوية الإسرئيلية على توجية ضربة جوية بعيدة المدى تقدر بـ 36 مقاتلة فقط.
ثالثًا: التهديدات المتوقعة أمام القوات
الجوية الإسرائيلية:
على الرغم من أن إسرائيل لها تاريخ مميز في
مهام الضربات/ العمليات الجوية بعيدة المدى، والتي تحتاج فيها لعملية تزود بالوقود
في الجوي أو بدون، أو استخدام مطارات دول صديقة، إلا أن الضربة الجوية ضد إيران
لها تحديات مختلفة لم تواجهها القوات الجوية الإسرائيلية في أى عملية سابقة مثل:
- عدم القدرة على الطيران بإرتفاعات منخفضة (كضرب المفاعل العراقي) لتخطي
المسافة لأى هدف داخل إيران لما يتجاوز الـ1300 كم.
- عدم القدرة على استخدام أى من مطارات دول الجوار لإيران (كعملية عنتيبي).
- إنتشار الأهداف أيًا كان نوعها على مساحات شاسعة.
- وجود دفاعات جوية إيرانية على الرغم من الشكوك في كفاءتها الفعلية.
- وجود مقاتلات إعتراضية لدى إيران على الرغم من قدمها وضعف قدراتها.
- الإضطرار للطيران بإرتفاعات عالية ومتوسطة أغلب خط السير، ما يعطي زمن
إنذار كبير جدًا للقوات الجوية والدفاع الجوي الإيراني (على عكس ضرب الحوثيين).
- بعض الأهداف تستلزم أحجام وأعداد ذخائر كبيرة، مثل المفاعل النووي، ومخازن
الصواريخ الباليستية في بطن الجبال، مما سيجبرها على استخدام أعداد أكبر من
المقاتلات، أو تقليص عدد الأهداف كمًا ونوعًا.
هذا إلى جانب أن الجيش الإيراني والحرس
الثوري يمتلك قدرات تمكنه من الدفاع ضد التهديدات الجوية متمثلة في الآتي:
- 15 سرب مقاتلات مختلفة الأنواع
(F-7/ F-14/
F-5/ F-4/ Mirage F1)
بإجمالي 211 طائرة.
- عدد غير معلوم من كتائب الدفاع الجوي متوسطة المدى إيرانية الصنع.
رابعًا: تصور للضربة الجوية الإسرائيلية:
أجمع الخبراء على سيناريوهات محددة قد تختار
إسرائيل أحدهم أو المزج بينهم في ضربتها الجوية المتوقعة، وهم:
1- ضرب البرنامج النووي (خمس مواقع متفرقة على الأقل).
2- ضرب الصواريخ الباليستية (ثلاث مواقع على الأقل).
3- ضرب مصافي/ محطات النفط ( 14 موقع).
4- ضرب رأس النظام السياسي (موقعين على الأقل).
هنا سنجد الآتي:
- الأهداف رقم 1 و2 و4 عالية التحصين تحتاج إلى قدرات تدميرية كبيرة، مماثلة
لما كانت علية الضربة الإسرائيلية لتدمير المفاعل النووي العراق في 1981، والتي تم
تنفيذها بثمان مقاتلات F-16
تحمل كل منها قنبلتين زنة كل منهم 2000 رطل.
- الهدف رقم 3 يعتبر من الأهداف غاية في الحساسية، نظرًا لعدم إمكانية تحصين
هذه النوعية من الأهداف لطبيعتها، ما قد يكفي لتدميرة ذخائر صغيرة الحجم عالية
الدقة، ولكنها تحتاج أعداد مناسبة.
لذا؛ سنضع أحد التصورات لشكل الضربة الجوية
كالآتي:
1- بشكلً عام؛ ستعمل القوات الجوية الإسرائيلية على استغلال الخطوط الملاحية
الدولية للمرور بشكل آمن بأىً من الأجواء الأردنية – السعودية – العراقية أو
جميعهم على حسب موقع الهدف. مع تأمين منطقة عمل لـ (6 طائرة تزود بالوقود – 1
طائرة استطلاع لاسلكي – 1 طائرة إستطلاع إلكتروني – 4 مقاتلات F-15 على الأقل) في أجواء العراق لتدعيم
التشكيلات الجوية أثناء عملها داخل الأجواء الإيرانية، مع إنتظار تزودهم بالوقود
أثناء مرحلة العودة لتأمين المنطقة.
2- تخصيص على الأقل 8 مقاتلات F-15/ F-16 للقيام بعملية تنظيف المجال
الجوي للتشكيل الضارب، وذلك لتأمين وصولة للهدف.
3- تخصيص 2 مقاتلة F-35
حال وجود تهديد لأحد أنظمة الدفاع الجوي بعيدة المدى S-300، نظرًا لقدرة الطائرة المميزة
في التعامل مع هذه النوعية من الأهداف.
4- في حال هدف عالي التحصين: بالتطبيق على نموذج تدمير المفاعل العراقي، سنجد
بأن القوة التدميرية للطائرات الثمانية وقتها (F-16) يمكن أن تُقلص حاليًا إلى
ثلاث مقاتلات F-15 فقط، مسلحة بـ 18 قنبلة BLU-109
الخارقة للتحصينات بإجمالي قوة تدميرية 32000 رطل + طائرة إخماد للدفاع الجوي حول
الهدف مزودة بحاضن إعاقة إلكترونية.
5- في حال هدف ضعيف التحصين: يمكن أن تقوم مقاتلة
واحدة F-15 محملة بـ 16 قنبلة صغيرة القطر عالية الدقة بتدمير الهدف الواحد +
طائرة إخماد للدفاع الجوي مزودة بحاضن إعاقة إلكترونية.
وهنا سنجد بأن القوات الجوية الإسرائيلية
ستحتاج على أقل تقدير إلى 18 مقاتلة للقيام بعمليات تأمين خط سير تشكيلات الضربة الرئيسية
+ تأمين منطقة عمل طائرات الدعم والإسناد الإلكتروني، يضاف إليهم 4 مقاتلات حماية
لصيقة (F-15/ F-16) لكل تشكيل
ضارب/ موقع، للتعامل مع أى عدائيات جوية
تظهر أثناء التعامل مع الأهداف. وبالتالي سيتبقى 18 مقاتلة فقط على أقصى تقدير لتنفيذ
عملية قصف الأهداف.
ولوضع إفتراضات الاستخدام للعدد المتبقى (18
مقاتلة) بحسب كل طراز من المقاتلات الإسرائيلية، يمكن أن نستنتج الآتي:
- F-15 ضد هدف عالي التحصين (مفاعل نووي/ مخازن صواريخ بالجبال): الحد الأقصى
تدمير 4.5 هدف.
- F-15
ضد هدف ضعيف التحصين (مصافي بترول): الحد الأقصى تدمير 18 هدف.
- F-16 ضد هدف عالي التحصين (مفاعل نووي/ مخازن صواريخ بالجبال): الحد الأقصى
تدمير2.3 هدف.
- F-16
ضد هدف ضعيف التحصين (مصافي بترول): الحد الأقصى تدمير 18 هدف.
- F-35 ضد هدف عالي
التحصين (مفاعل نووي/ مخازن صواريخ بالجبال): الحد الأقصى تدمير2.3 هدف.
- F-35 F-16 ضد هدف ضعيف التحصين (مصافي
بترول): الحد الأقصى تدمير 18 هدف.
وبالتالي نخرج بالاستنتاجات التالية:
- القوات الجوية الإسرائيل ليس لديها القدرة على تدمير البرنامج النووي
الإيراني المكون على الأقل من خمس مواقع.
- يمكن للقوات الجوية أن تحدث خسائر أكبر في الإقتصاد الإيراني، وذلك من خلال
القدرة على استهداف أعداد أكبر من مواقع الطاقة في إيران.
- أكبر التحديات ستكون تأمين الضربة ضد أى خسائر قد تحدث بها، حتى ولو كانت
طائرة واحدة.
- عدم توقع وجود أى تعاون من أىً من دول الجوار الإيراني مع إسرائيل لتوجية
الضربة.
- حال أرادت إسرائيل زيادة عدد الأهداف المراد
تدميرها، يجب أن توظف صواريخها الباليستية لتعويض النقص في أعداد المقاتلات
اللازمة لتنفيذ المهام، وبالتالي تحويل تخصيص بعض المقاتلات من مهام التأمين إلى
مهام القصف.
خامسًا: فرص إيران في صد/ إحداث خسائر في
القوة الجوية الإسرائيلية:
على الرغم من أن القدرات العسكرية الإيرانية
متقادمة، وذات أعداد قليلة نسبة بحجم الدولة وإنتشار الأهداف الحيوية المراد
تأمينها ضد أى عدائيات. إلا أن لديها فرص لإحداث خسائر/ إجهاض للضربة الجوية
الإسرائيلية المتوقعة على أراضيها، وذلك بالتوظيف الجيد لبند التكتيك لتعويض النقص
في عدد ونوعية الأسلحة مع إسرائيل من خلال الآتي:
- استخدام جزء كبير من القوات الجوية ليس بهدف صد التشكيلات الجوية المتوقع إختراقها
للمجال الجوي الإيراني، ولكن العمل على استهداف منطقة عمل تشكيلات الدعم والإسناد
الإسرائيلية (6 طائرة تزود بالوقود – 1 طائرة استطلاع لاسلكي – 1 طائرة إستطلاع
إلكتروني – 4 مقاتلات F-15
على الأقل). وحال النجاح في تدمير طائرات التزود بالوقود، لن تستطيع المقاتلات
الإسرائيلية العودة إلى قواعدها الجوية، ولكنها ستسعى للهبود في أى من المطارات
السعودية أو الأردنية عنوة، وإلا ستسقط قبل محاولة عودتها إلى إسرائيل. وبالتالي
تنجح إيران في جعل تكلفة الضربة مرتفعة للغاية.
- تخصيص نسبة من كتائب الدفاع الجوي لتنفيذ أعمال كمائن دفاع جوي، وإختيار
مواقع تمركز ليس بالقرب من الأهداف المتوقع ضربها، ولكن في منطقة الحدود العراقية
والكويتية، لتقليل فرص الإعاقة الإلكترونية المتوقعة، وصعوية تركيز إسرائيل على
هذه المناطق، لأنها ستكون أكثر تركيزًا على إكتشاف مواقع الدفاع الجوي حول الأهداف
المراد قصفها.
- العمل على توجية ضربة صاروخية مخططة زمنيًا ضد
القواعد الجوية الإسرائيلية خاصة نتساريم – نيفاديم – تل نوف، بحيث تصل الصواريخ
في نفس توقيتات وصول الطائرات للهبوط في قواعدها، مما قد يحدث إرباك وخسائر