في الخامس والعشرين والسادس والعشرين من أكتوبر 2024، نفذت إسرائيل سلسلة من الغارات الجوية ضد مواقع عسكرية إيرانية رئيسية رداً على تصعيد صاروخي واسع النطاق بدأته طهران. وشملت أهداف الضربات أنظمة الصواريخ والبنية الأساسية ومراكز القيادة، وكلها تعتبر ذات أهمية استراتيجية للعمليات العسكرية الإيرانية. وجاء هذا الإجراء في أعقاب إطلاق إيران أكثر من 200 صاروخ باليستي باتجاه إسرائيل، مما أدى إلى تكثيف التوترات بين البلدين وتعميق الصراع بينهما.
كانت هذه الضربات الصاروخية من إيران جزءًا من نمط متصاعد من التوترات السياسية والعسكرية التي كانت تتراكم منذ سبتمبر 2024. وعلى الرغم من الجهود الدبلوماسية الجارية لحل الموقف، فإن الحزم العسكري المتزايد من جانب إيران، إلى جانب الموقف الدفاعي لإسرائيل، أدى إلى رد عسكري. وكانت المنطقة، التي كانت بالفعل محفوفة بعدم الاستقرار، تتأرجح على حافة صراع أكثر حدة.
ولكن على الرغم من حجم وشدة الضربات الجوية الإسرائيلية، فإن التأثيرات كانت أقل تأثيراً بكثير مما كان متوقعاً في البداية. وكان الضرر الذي لحق بالبنية التحتية العسكرية الإيرانية ضئيلاً، مما أثار الشكوك حول فعالية الهجوم الإسرائيلي. وقد حير العديد من المحللين النتيجة المقيدة نسبياً للعملية، نظراً لأن القوات الإسرائيلية نشرت حوالي 100 طائرة مقاتلة متقدمة.
وتكهن البعض بأن الضربات الإسرائيلية كانت محدودة عمداً بسبب الضغوط من واشنطن، التي سعت إلى تجنب تصعيد التوترات قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 5 نوفمبر. ويقال إن المسؤولين الأميركيين أثروا على نطاق العملية من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية، الأمر الذي خفف من حدة نهج إسرائيل. ومع ذلك، ظهرت معلومات جديدة تشير إلى أن العامل الأساسي وراء التأثير المحدود للضربات الإسرائيلية ربما كان أنظمة الدفاع الجوي المتقدمة في إيران.
وبحسب تقارير أشارت الاستخبارات الإسرائيلية إلى قدرات الدفاع الجوي الإيرانية باعتبارها السبب الرئيسي وراء التأثير المحدود للغارات الجوية يومي 25 و26 أكتوبر. وعلى وجه التحديد، يُقترح أن أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية نجحت في إحباط الهجوم الذي شنته طائرات مقاتلة إسرائيلية، وخاصة طائرات "أدير" المتقدمة من طراز "إف-35".
تمتلك إيران مجموعة من أنظمة الدفاع الجوي القادرة على استهداف الطائرات المتقدمة مثل "إف-35". ومن أبرز هذه الأنظمة نظام "إس-300". هذا النظام الدفاعي الصاروخي الروسي الصنع قادر على اكتشاف وتتبع الطائرات الشبحية على مسافات كبيرة. ويمكن لنظام "إس-300" "الالتقاط" لأهداف مثل "إف-35"، باستخدام الرادار والمجمعات الصاروخية لتغطية مساحات كبيرة من المجال الجوي.
على الرغم من تصميم "إف-35" للاستفادة من تكنولوجيا التخفي للحد من الكشف، إلا أن فعالية "إس-300" ضد هذه الطائرات يمكن أن تكون محدودة، خاصة إذا استخدمت طائرات "إف-35" تدابير وتكتيكات مضادة للتهرب من الكشف.
وتشمل الأنظمة الإيرانية الأخرى القادرة على تحدي طائرة إف-35 متغيرات أكثر حداثة من إس-200 ونظام الدفاع الصاروخي الإيراني الجديد "باور-373". ويُعد باور-373 النسخة الإيرانية المنتجة محليًا من إس-300، ويتميز بتحسينات كبيرة في قدرات الكشف والاشتباك، وخاصة ضد الطائرات الشبحية. ويمكن لهذا النظام تتبع وتحييد الأهداف عالية القدرة على المناورة بشكل أكثر دقة على ارتفاعات حيث قد تعمل إف-35 عادةً.
على الرغم من أنه لا يزال من غير الواضح كيف سيعمل باور-373 في سيناريو قتال حقيقي، فمن المتوقع أن يمثل تحديًا كبيرًا للطائرات الإسرائيلية في الصراعات الإقليمية المستقبلية. يُنظر إلى النظام بالفعل على أنه عقبة محتملة أمام التفوق الجوي الإسرائيلي في الشرق الأوسط، خاصة مع استمرار دمجه في استراتيجية الدفاع الأوسع لإيران.
وتشير التقارير إلى أن طائرات إف-35 الإسرائيلية "تشوشت" بواسطة رادارات الدفاع الجوي الإيرانية أثناء تحليقها فوق المجال الجوي العراقي، بعيدًا عن أهدافها المقصودة في إيران. وتزعم هذه المصادر أن الطائرات الإسرائيلية كانت في هذه المرحلة لا تزال على بعد مئات الكيلومترات من الحدود الإيرانية. وكانت قدرة أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية على اكتشاف الطائرات الإسرائيلية على هذه المسافة تطوراً غير متوقع بالنسبة للمخططين العسكريين الإسرائيليين.
وأشارت مصادر استخباراتية إسرائيلية إلى أن أنظمة الدفاع الجوي الروسية والإيرانية قادرة على استهداف الطائرات الإسرائيلية على مسافات بعيدة، واعتراضها قبل وقت طويل من دخولها المجال الجوي الإيراني. وهذا من شأنه أن يسمح لإيران بمواجهة العمليات الإسرائيلية بعيداً عن حدودها.
وتؤكد تقارير أن الطائرات الإسرائيلية ربما كانت على بعد مئات الأميال من أهدافها الأساسية في إيران، واقتربت من أقصى مدى للصواريخ الباليستية التي تطلق من الجو مثل "روك" و"بلو سبارو".
كانت هذه الصواريخ تهدف إلى تحييد رادارات الدفاع الجوي الإيرانية. ومع ذلك، تم إطلاقها قبل الأوان نتيجة للتدخل غير المتوقع من أنظمة الرادار الإيرانية. أجبر هذا الطيارين الإسرائيليين على إلغاء مهمتهم والعودة إلى المجال الجوي الإسرائيلي قبل الموعد المخطط له.
أعرب المسؤولون الإسرائيليون عن دهشتهم من قدرة الرادارات الإيرانية على اكتشاف طائرات F-35 Adir الخاصة بهم، مما أجبرهم على إطلاق حمولتهم من الصواريخ الباليستية قبل الوصول إلى مواقع الإطلاق المثالية المقصودة. وفقًا للتقارير، كان إطلاق الصاروخ المبكر هذا بمثابة تحول غير متوقع للأحداث، مما يعكس القدرات المتقدمة لأنظمة الرادار الإيرانية في اكتشاف الطائرات الشبحية.
يمثل هذا أول حالة معروفة حيث نجحت أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية أو الروسية في "التقاط" طائرات F-35 الإسرائيلية، مما أربك القيادة العسكرية الإسرائيلية.
في أبريل 2024، ورد أن روسيا وإيران رسمتا خريطة شبكة الدفاع الجوي الإسرائيلية بالكامل، مما سمح لطهران بالتخطيط لضربات صاروخية ضد إسرائيل. وادعت طهران أن هذه الضربات كانت فعالة للغاية في اختراق الدفاعات الإسرائيلية، مما يشير إلى تحول في توازن القوى العسكرية في المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، هناك تقارير مستمرة تفيد بأن روسيا بدأت في تزويد إيران بنظام الدفاع الجوي إس-400. وفي حين لم يتم تأكيد ذلك رسميًا، استشهدت صحيفة نيويورك تايمز بمصادر في أغسطس 2024، مما يشير إلى أن عمليات تسليم إس-400 قد بدأت.
وأكدت وسائل الإعلام الإيرانية المحلية هذه التقارير، حيث أكد المسؤولون أن النظام هو على الأرجح إس-400 روسي الصنع، القادر على تتبع واستهداف الطائرات الشبحية على مسافات أكبر. وفي حين لم يتم التحقق من هذا التطور بشكل مستقل، فإنه يشير إلى أن إس-400 يمكن أن يعزز بشكل كبير قدرة إيران على مواجهة الطائرات الإسرائيلية، بما في ذلك إف-35.
ومع ذلك، حتى لو تم نشر إس-400 في إيران، يزعم الخبراء أن الأمر سيستغرق عدة أشهر لتشغيل النظام وجعله جاهزًا للعمل بشكل كامل. يشير هذا الجدول الزمني إلى أن إس-400، على الرغم من كونه أصلًا هائلاً، لم يكن ليلعب دورًا مهمًا في الغارات الجوية في أكتوبر.
وعلى الرغم من ذلك، فإن احتمالات وجود شبكة دفاع جوي متقدمة، بما في ذلك أنظمة إس-300، وإس-400، وأنظمة محلية مثل بافار-373، تشكل تحديًا خطيرًا للهيمنة الجوية الإسرائيلية في المنطقة.
تؤكد هذه الحادثة على التطور المتزايد لأنظمة الدفاع الجوي الإيرانية، والتي تشمل الآن كل من التكنولوجيا الروسية والمحلية. إن ميزان القوى في المنطقة يتغير، وستحتاج إسرائيل إلى إعادة التفكير في نهجها في إجراء العمليات الجوية في مواجهة هذه الدفاعات المتزايدة القدرة. لم تعد سماء الشرق الأوسط مجالًا غير متنازع عليه للتفوق الجوي الإسرائيلي.