كشفت إيران في العاشر من يناير 2025، عن منشأة صواريخ تحت الأرض شديدة السرية، مما يمثل معلمًا مهمًا في قدراتها الصاروخية الباليستية المتوسعة. تضمن الكشف، الذي تم التقاطه في مقطع فيديو نشرته وسائل الإعلام الإيرانية، حفلًا حضره شخصيات رئيسية من الحرس الثوري الإسلامي، بما في ذلك اللواء حسين سلامي، قائد الحرس الثوري الإيراني، والعميد أمير علي حاجي زاده، قائد القوة الجوية للحرس الثوري الإيراني. وبينما تم الكشف عن حوالي 10٪ فقط من المنشأة للجمهور، سلط الفيديو الضوء على أهميتها الاستراتيجية، حيث أظهر قدرات إيران الصاروخية المتنامية والتزامها بتعزيز موقفها الدفاعي.
في لقطات الفيديو، يظهر أن القاعدة تحت الأرض تضم بعضًا من أكثر الصواريخ الباليستية التي تعمل بالوقود السائل تقدمًا في إيران، بما في ذلك أنظمة الصواريخ الباليستية عماد وقادر وقيام. تلعب كل من هذه الصواريخ دورًا حاسمًا في الاستراتيجية العسكرية الإيرانية، حيث تعمل كأداة ردع وهجوم في ترسانتها
صاروخ عماد هو صاروخ طويل المدى يعمل بالوقود السائل طورته منظمة الصناعات الجوية والفضائية الإيرانية (AIO). وهو معروف بنظام التوجيه الدقيق المتطور، والذي يسمح له بضرب الأهداف بدقة ملحوظة - في غضون بضع مئات من الأمتار. بمدى يبلغ حوالي 1700 كيلومتر، فإن عماد قادر على استهداف مواقع استراتيجية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك القواعد العسكرية الأمريكية والدول الحليفة. هذا الصاروخ قادر على حمل حمولات تقليدية وربما نووية، على الرغم من إصرار إيران على أن برنامجها الصاروخي يظل يركز على الدفاع التقليدي. إن قدرة عماد العالية على المناورة والتوجيه المتطور تجعله سلاحًا هائلاً، مما يعزز قدرة إيران على شن ضربات دقيقة وتعقيد اعتراض أنظمة الدفاع الصاروخي.
قادر هو صاروخ باليستي متوسط المدى (IRBM) يوسع قدرات إيران الضاربة إلى أهداف خارج حدودها المباشرة. بمدى يتراوح بين 1800 إلى 2000 كيلومتر، فإن صاروخ قادر يستطيع ضرب أهداف إقليمية، بما في ذلك القواعد العسكرية والبنية التحتية الرئيسية في جميع أنحاء الشرق الأوسط. يعد صاروخ قدر تطوراً لصاروخ شهاب 3 السابق، ويوفر دقة محسنة وقدرة على حمل الحمولة ومدى أكبر. يمكن تجهيز هذا الصاروخ برؤوس حربية تقليدية - مثل الحمولات شديدة الانفجار أو الكيميائية - وربما رؤوس حربية نووية. يوفر الدفع بالوقود السائل مرونة في سعة الحمولة ولكنه يتطلب وقتًا أطول للتحضير مقارنة بالصواريخ التي تعمل بالوقود الصلب. على الرغم من ذلك، فإن أنظمة التوجيه والتحكم المتقدمة في صاروخ قدر تجعله سلاحًا موثوقًا به وقويًا للغاية للضربات الدقيقة بعيدة المدى.
صاروخ قيام هو صاروخ باليستي قصير إلى متوسط المدى يتميز بنظام الدفع بالوقود الصلب والملاحة بالقصور الذاتي المتقدمة. بمدى يتراوح بين 800 إلى 1000 كيلومتر، تم تصميم صاروخ قيام لتوجيه ضربات دقيقة وسريعة ضد الأهداف الإقليمية. وعلى النقيض من صاروخي عماد وقدر، فإن التصميم المدمج للصاروخ قيام والوقود الصلب يسمحان بالتحضير والإطلاق بشكل أسرع، مما يوفر مرونة تشغيلية. وهو قادر على حمل الرؤوس الحربية التقليدية والنووية المحتملة، ودقته العالية - مع خطأ استهداف أقل من 500 متر - تجعله مثاليًا لضرب البنية التحتية الحيوية مثل أنظمة الدفاع الجوي ومراكز القيادة. إن قدرة صاروخ قيام على الحركة والإطلاق السريع تجعله فعالاً بشكل خاص في سيناريوهات الحرب غير المتكافئة، حيث السرعة وعدم القدرة على التنبؤ أمران حاسمان.
إن قرار وضع أنظمة الصواريخ المتقدمة هذه في منشأة تحت الأرض يؤكد على أهمية ضمان بقاء الأصول الاستراتيجية لإيران. توفر المنشأة الحماية من الضربات الجوية المحتملة، والتي كانت تشكل منذ فترة طويلة تهديدًا للبنية التحتية الصاروخية والنووية الإيرانية، وخاصة من إسرائيل والولايات المتحدة. من خلال تخزين الصواريخ تحت الأرض، تؤمن إيران قدراتها الصاروخية، وتضمن بقائها عاملة حتى في حالة نشوب صراع واسع النطاق. كما تعمل القاعدة تحت الأرض على تعقيد أي محاولات لشن ضربة استباقية، حيث يظل من الصعب تقييم النطاق الكامل لشبكة الصواريخ الإيرانية.
وعلاوة على ذلك، فإن المنشأة تحت الأرض تعزز العمق الاستراتيجي لردع الصواريخ الإيرانية. ففي عصر تكنولوجيات المراقبة المتقدمة، مثل الأقمار الصناعية وطائرات الاستطلاع بدون طيار، يضمن التخزين تحت الأرض بقاء أصول الصواريخ الإيرانية مخفية ومحمية. وهذا بدوره يزيد من قدرة صواريخها على البقاء، مما يجعل اكتشافها وتحييدها أكثر صعوبة.
إن الكشف عن منشأة الصواريخ تحت الأرض هذه يشير إلى تطور متزايد في قدرات الصواريخ الإيرانية والتزامها بموقف دفاعي مكتفٍ ذاتيًا. تمثل هذه الصواريخ - عماد، وقادر، وقيام - مكونات رئيسية لاستراتيجية إيران الأوسع نطاقًا لإظهار القوة وردع التدخل الأجنبي في الشرق الأوسط. من خلال الجمع بين الأنظمة طويلة المدى الموجهة بدقة وتقنيات الدفع المتقدمة، تعمل ترسانة الصواريخ الإيرانية على تعزيز قدرتها بشكل كبير على ضرب أهداف حاسمة في جميع أنحاء المنطقة.
بالنسبة للجيران الإقليميين والقوى العالمية، وخاصة الولايات المتحدة وإسرائيل، يمثل هذا التطور تحديًا متجددًا لاستراتيجيات الدفاع الحالية. تساهم قدرات الصواريخ الإيرانية المتنامية، جنبًا إلى جنب مع التدابير الوقائية المتخذة لحمايتها، في خلق مشهد أمني معقد بشكل متزايد. ومع استمرار التوترات في المنطقة، تعمل هذه المنشأة الجديدة تحت الأرض كرسالة قوة وتذكير بتوازن القوى المتطور في الشرق الأوسط.
إن منشأة الصواريخ تحت الأرض التي تضم أنظمة عماد، وقادر، وقيام الإيرانية هي تطور رئيسي في برنامج الصواريخ في البلاد. وبفضل مداها المتزايد ودقتها وقدرتها على البقاء، تساهم هذه الأنظمة الصاروخية في تعزيز قدرات الردع الإيرانية وتعزز مكانتها في البيئة الأمنية الإقليمية. ولا شك أن هذا التطور سيكون له آثار كبيرة على ديناميكيات الأمن في الشرق الأوسط، حيث سيؤثر على سياسات الدفاع ويشكل استراتيجيات القوى الإقليمية والعالمية.