أخبار: تركيا تنشئ مصنعا لإنتاج ذخائر المدفعية في العراق

وقّعت تركيا اتفاقيةً رئيسية مع العراق عام ٢٠٢٥ لإنشاء مصنع لإنتاج ذخائر المدفعية، وفقًا لما أوردته شركة "القرن التركي" على موقع X في 28 أبريل ٢٠٢٥. وتقود هذا المشروع شركة "أسفات"، وهي شركة مملوكة للدولة في تركيا ومُخصصة لصادرات الدفاع ونقل التكنولوجيا. وتمثل هذه الاتفاقية خطوةً مهمةً في الاستراتيجية التي انتهجها الرئيس رجب طيب أردوغان منذ عام ٢٠١٥ لجعل تركيا قوةً دفاعيةً مكتفيةً ذاتيًا، كما أوضحت رويترز آنذاك. في خطوة تهدف إلى تعزيز قدراتها الصناعية.

تنص هذه الشراكة على الإنتاج المحلي لقذائف مدفعية عيار ١٥٥ ملم، وقذائف هاون عيار ٨١ ملم و١٢٠ ملم، وحشوات دافعة حديثة. ستلبي هذه الذخائر احتياجات عملياتية متنوعة، بدءًا من الدعم الناري التقليدي وصولًا إلى مهام أكثر تخصصًا مثل إضاءة ساحة المعركة أو إخفاء تحركات القوات باستخدام الذخائر الدخانية. تُعد القدرة على إنتاج هذه الذخائر محليًا أمرًا استراتيجيًا للعراق، إذ تُمكّنه من تعزيز استقلاليته اللوجستية، والاستجابة بسرعة أكبر للاحتياجات العملياتية لجيشه، وتقليل اعتماده على الموردين الأجانب في ظل بيئة أمنية مضطربة باستمرار.

سيتمكن العراق من الاستفادة من هذه القدرات لتعزيز عملياته العسكرية ضد الجماعات المسلحة النشطة على أراضيه، وخاصة في المحافظات الشمالية التي تواجه تهديدات غير نظامية. كما ستدعم الذخائر المنتجة محليًا القوات النظامية في مهامها المتمثلة في السيطرة على الأراضي وحماية البنية التحتية الحيوية. علاوة على ذلك، سيسمح تحديث المدفعية العراقية بتكامل أكثر فعالية في أطر التعاون الأمني ​​الإقليمي والدولي، مع تعزيز السيادة العسكرية العراقية في الوقت نفسه.

على الصعيدين العسكري والاستراتيجي، تطورت العلاقات التركية العراقية بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة. فبعد توترها طويلًا بسبب العمليات التركية ضد حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، تحولت تدريجيًا إلى تعاون أكثر تنظيمًا.

منذ عام 2020، سعت أنقرة إلى تطبيع علاقاتها مع بغداد مع الحفاظ على علاقاتها التقليدية مع حكومة إقليم كردستان. وتكثف هذا التقارب بتوقيع مذكرة تفاهم في مارس 2024 بشأن التعاون العسكري والأمني، والتي بموجبها صنّف العراق رسميًا حزب العمال الكردستاني منظمة محظورة، متماشيًا مع موقف تركيا في مكافحة الإرهاب. وتعززت هذه الديناميكية بزيارة الرئيس أردوغان التاريخية إلى بغداد في أبريل 2024، وهي الأولى له منذ ثلاثة عشر عامًا، والتي تم خلالها التوصل إلى اتفاق لتحويل القاعدة العسكرية التركية في بعشيقة إلى مركز تدريب وتعاون مشترك بين تركيا والعراق، على الرغم من أن هذا التحول لم يتحقق بعد.

يشكل هذا التقارب العسكري جزءًا من سياسة مزدوجة المسار تجمع بين الأمن والدبلوماسية. فمن ناحية، تواصل أنقرة تنفيذ عمليات عسكرية منتظمة ضد البنية التحتية لحزب العمال الكردستاني، لا سيما في مناطق متينا وزاب وأفاشين. من ناحية أخرى، ضاعفت تركيا مبادراتها الدبلوماسية، معززةً علاقاتها مع كل من بغداد وأربيل، سعيًا منها لتثبيت وضعها الاستراتيجي في ظلّ حالة عدم اليقين السياسي الداخلي في العراق والديناميكيات الإقليمية الأوسع.

وقد أتاح الضغط الذي مارسته إدارة ترامب لتقليل اعتماد العراق على إيران لتركيا نافذةً استراتيجيةً لتكثيف انخراطها. وتستغل تركيا ضعف النفوذ الإيراني لتعزيز حضورها الأمني ​​والاقتصادي في العراق، في سياق إقليمي يتسم بتنافسات جيوسياسية حادة.

وعلى الصعيد الاقتصادي، برز بُعدٌ آخر للتعاون حول صادرات النفط عبر خط أنابيب العراق-تركيا. فبعد أكثر من عامين من الانقطاع بسبب نزاعات قانونية ومالية، بما في ذلك حكم تحكيمي في باريس، استؤنفت المفاوضات في أوائل عام 2025 للسماح باستئناف تدفق النفط إلى ميناء جيهان التركي. دعت جمعية صناعة النفط في كردستان (APIKUR) إلى إبرام اتفاقيات سريعة لتأمين سداد قيمة الشحنات السابقة والمستقبلية، مؤكدةً على أهمية استعادة مصدر دخل حيوي للعراق، والذي يُقدر بنحو 19 مليار دولار من الدخل المفقود خلال فترة التوقف. ورغم أن المفاوضات لا تزال معقدة، إلا أن الرغبة المشتركة بين بغداد وحكومة إقليم كردستان وأنقرة في التوصل إلى تفاهم تُبرز مجددًا الترابط المتزايد بين العراق وتركيا.

إن الاتفاقية الموقعة بين شركة أسفات والعراق لإنشاء مصنع ذخيرة مدفعية لا تمثل مجرد نقل تكنولوجي، بل هي جزء من إعادة تنظيم أوسع للعلاقات الثنائية، حيث يتقدم التعاون الأمني ​​والدبلوماسي والاقتصادي جنبًا إلى جنب. ومن خلال تعزيز الاستقلال العسكري للعراق، وترسيخ حضورها الاستراتيجي في منطقة تتسم بتنافس النفوذ، تسعى تركيا إلى بناء علاقة مستدامة قادرة على الصمود في وجه التقلبات السياسية الداخلية والضغوط الجيوسياسية الخارجية. ويؤكد هذا التطور على الدور المتزايد الأهمية لتركيا كفاعل عسكري وصناعي رئيسي في الشرق الأوسط.