أعلنت اليابان مؤخرًا عن زيادة أخرى في ميزانيتها الدفاعية، استمرارًا لاتجاه شوهد على مدى السنوات القليلة الماضية، مما يعكس تحولًا عميقًا في استراتيجيتها الأمنية. تتميز اليابان تقليديًا بنهج منخفض المستوى وسياسة دفاعية قائمة على مبادئ سلمية، وتواجه الآن بيئة أمنية متدهورة. وردًا على ذلك، بدأت الحكومة اليابانية في تحديث وتعزيز قدراتها العسكرية، على الرغم من التحديات الاقتصادية والبنيوية المصاحبة.
شهدت ميزانية الدفاع في البلاد ارتفاعًا كبيرًا، حيث ارتفعت من 9.2 مليار دولار في عام 2020 إلى 18.6 مليار دولار متوقعة في عام 2024، مما يمثل معدل نمو سنوي مركب (CAGR) بنسبة 19.3٪، وفقًا لتقرير "سوق الدفاع الياباني 2024-2029" لشركة GlobalData. لعام 2024، طلبت وزارة الدفاع زيادة بنسبة 17.2٪، مما يؤكد التزام اليابان بتحديث قواتها المسلحة استجابة للتوترات الإقليمية المتزايدة. ومن المتوقع أن تصل هذه النفقات إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي لليابان بحلول عام 2027، مما يجعل البلاد متوافقة مع معايير حلف شمال الأطلسي.
تركز زيادة الميزانية هذه على العديد من المبادرات الرئيسية. استثمرت اليابان في تحديث قدراتها البحرية والجوية، وشراء غواصات من فئة تايجي، وفرقاطات من فئة موغامي، وطائرات مقاتلة من طراز إف-35 إيه/بي. وتهدف هذه الاستثمارات إلى تعزيز قوة الردع اليابانية وإسقاط القوة في الصراعات الإقليمية المحتملة. بالإضافة إلى ذلك، تشارك اليابان في مشاريع التنمية المشتركة، مثل برنامج القتال الجوي العالمي (GCAP) بالشراكة مع إيطاليا والمملكة المتحدة. تسعى هذه المبادرة إلى خفض تكاليف التطوير مع تعزيز العلاقات الأمنية، وتوسيع تعاون اليابان إلى ما هو أبعد من تحالفها التقليدي مع الولايات المتحدة.
أسباب التحول الاستراتيجي
تدهورت البيئة الأمنية في اليابان بشكل كبير في السنوات الأخيرة. فقد زادت الصين، التي تم تحديدها في استراتيجية الأمن القومي اليابانية (NSS) باعتبارها "تحديًا استراتيجيًا غير مسبوق"، من وجودها العسكري في المنطقة. وقد أثارت دورياتها شبه الدائمة حول جزر سينكاكو واختباراتها الصاروخية داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة لليابان مخاوف جدية. كما تشكل كوريا الشمالية تهديدًا متزايدًا، وخاصة مع اختباراتها الصاروخية الباليستية التي تحلق بشكل متكرر فوق الأراضي اليابانية. بالإضافة إلى ذلك، أضاف تقارب روسيا مع الصين وعدوانها على أوكرانيا في عام 2022 إلى مناخ الأمن غير المؤكد على نحو متزايد.
وقد دفعت هذه العوامل اليابان إلى إعادة النظر في استراتيجيتها الدفاعية. تقليديا، حافظت اليابان على مستوى منخفض من الاهتمام بالمسائل الدفاعية، وتجنبت المناقشات الصريحة حول توسيع قوتها العسكرية. نشأ هذا النهج من دستورها السلمي، الذي تم تبنيه بعد الحرب العالمية الثانية، والذي يقيد استخدام القوات المسلحة بشكل صارم للدفاع عن النفس. ومع ذلك، فإن التوترات الإقليمية المتزايدة وخطر الصراعات المتزايد أقنع الحكومة اليابانية بتبني موقف أكثر استباقية، مما عزز قدراتها على الردع.
كما أثرت الحرب في أوكرانيا على الرأي العام الياباني، مما عزز الدعم لجهود دفاعية كبيرة. ويهدف الانخراط العسكري المتزايد لليابان إلى ضمان التضامن ودعم حلفائها، وخاصة الولايات المتحدة، في حالة وقوع هجوم.
وعلى هذا فإن تحديث الدفاع في اليابان يتماشى مع استراتيجية الردع المتكاملة التي تنطوي على التعاون الوثيق مع الولايات المتحدة في حين توسع الشراكات مع جهات فاعلة رئيسية أخرى، مثل أستراليا والهند والمملكة المتحدة، من خلال تحالفات مثل AUKUS و QUAD.
التحديات التي تواجه اليابان
على الرغم من الزيادة في ميزانيتها الدفاعية، تواجه اليابان العديد من التحديات. فمن الناحية المالية، يأتي ارتفاع الإنفاق العسكري في ظل سياق اقتصادي صعب. فالين ينخفض، وبلغ الدين الوطني الياباني 260٪ من الناتج المحلي الإجمالي. وتستمر المناقشات الداخلية حول تمويل هذه النفقات، حيث تدرس الحكومة زيادة الضرائب على دخل الأسرة والشركات والتبغ لدعم الجهود الدفاعية. وقد تثبت مثل هذه التدابير عدم شعبيتها وقد تؤدي إلى حالة من عدم اليقين السياسي.
من الناحية القانونية، في حين لم يعد الدستور الياباني السلمي يشكل عائقًا رئيسيًا أمام التحول في استراتيجية الدفاع، فإن البلاد لا تزال بحاجة إلى إنشاء أطر قانونية واضحة لتسهيل نقل تكنولوجيات ومعدات الدفاع. إن تنفيذ سياسة "الدفاع السيبراني النشط" يتطلب أيضًا قوانين يجب صياغتها بعناية واعتمادها ضمن العملية التشريعية اليابانية الطويلة والمعقدة في كثير من الأحيان.
تواجه اليابان أيضًا تحديات في مجال الموارد البشرية. تكافح قوات الدفاع الذاتي لتجنيد عدد كافٍ من الأفراد المؤهلين لتنفيذ استراتيجيات الدفاع الجديدة، وخاصة في مجال الأمن السيبراني. وفي حين تستثمر وزارة الدفاع في الطائرات بدون طيار والأنظمة المستقلة لتعويض النقص في الأفراد، فإن البناء العسكري المخطط له سيظل يتطلب تعبئة الخبراء والجنود المدربين.
وأخيرا، تواجه صناعة الدفاع اليابانية صعوبات بنيوية. فعلى النقيض من الولايات المتحدة أو الصين، لا يوجد في اليابان سوى عدد قليل من الشركات التي تركز في المقام الأول على قطاع الدفاع. وتتطلب القيود الميزانية والتعقيد التكنولوجي للمشاريع العسكرية الكبرى زيادة التعاون مع الشركاء الدوليين. ومع ذلك، يتعين على صناعة الدفاع اليابانية التغلب على افتقارها إلى القدرة التنافسية في السوق العالمية. ويوضح استبعاد اليابان من برنامج إف-35 الصعوبات التي تواجهها في إقامة تعاون قوي مع حلفائها، ويرجع ذلك أساسا إلى ارتفاع تكاليف المعيشة والتحديات في تلبية المعايير الدولية.
وفي الختام، يعكس زيادة ميزانية الدفاع اليابانية تحولا استراتيجيا كبيرا في الاستجابة لبيئة أمنية متزايدة التعقيد. وعلى الرغم من التحديات الاقتصادية والتشريعية والصناعية، تسعى اليابان جاهدة إلى تحديث قدراتها وتعزيز التحالفات لضمان أمنها والمساهمة في الاستقرار الإقليمي.