تخوض تركيا حاليا مناقشات متقدمة مع الصومال بشأن إنشاء موقع لاختبار الصواريخ الباليستية والصواريخ الفضائية في منطقة القرن الأفريقي. ويسلط هذا المشروع، الذي كشفت عنه مصادر مطلعة على الأمر وأوردته بلومبرج، الضوء على طموح أنقرة المتزايد لتعزيز نفوذها العسكري والتكنولوجي في القارة الأفريقية، في حين تسعى إلى تحقيق هدفها المتمثل في المنافسة في سباق الفضاء العالمي. وإذا تحقق هذا المشروع، فإن الصومال، بفضل موقعها الجغرافي الاستراتيجي، ستصبح عنصرا رئيسيا في برامج تركيا الفضائية والصواريخ الباليستية.
إن اهتمام تركيا بالصومال مدفوع بعدة عوامل جيوسياسية وتقنية. فبموقعها على الطرف الشرقي من أفريقيا، بالقرب من خط الاستواء، توفر الصومال موقعا مثاليا لإطلاق الصواريخ الفضائية واختبار الصواريخ الباليستية بعيدة المدى. ومن شأن إطلاق الصواريخ أو الصواريخ من هذا الموقع أن يسمح لتركيا باستخدام المحيط الهندي كمنطقة آمنة لإسقاط الحطام، وبالتالي تجنب المخاطر التي قد تتعرض لها السكان أو البنية التحتية القريبة. بالإضافة إلى ذلك، فإن القرب من خط الاستواء من شأنه أن يمكن تركيا من تحسين أداء مركبات الإطلاق الخاصة بها، مما يعزز برنامجها الفضائي الطموح.
ويتماشى مشروع موقع الاختبار الباليستي والفضائي هذا مع الجهود الأوسع التي تبذلها تركيا لترسيخ نفسها كلاعب رئيسي في التكنولوجيا العسكرية والفضائية. في عام 2022، كشفت تركيا عن صواريخها الباليستية الجديدة من طراز تايفون، والتي يبلغ مداها 560 كيلومترًا، مما يجعلها من بين أكثر الأسلحة بعيدة المدى تقدمًا في البلاد. ترمز هذه الصواريخ، المصممة والمصنعة بالكامل في تركيا، إلى رغبة أنقرة في تحقيق الاكتفاء الذاتي في الدفاع مع تعزيز قدرتها على فرض قوتها العسكرية في الخارج.
إن إنشاء موقع اختبار في الصومال من شأنه أن يسمح لتركيا بإجراء اختبارات باليستية بعيدة المدى في ظروف آمنة ومثالية. ستكون هذه القدرة حاسمة لتحسين أنظمتها الصاروخية مع تجنب المخاطر المرتبطة بالاختبار في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية. علاوة على ذلك، يعد هذا المشروع جزءًا من استراتيجية تركيا الأوسع لتعزيز علاقاتها مع الصومال، وهي الدولة التي أنشأت فيها تركيا بالفعل أكبر قاعدة عسكرية خارجية لها، وتقع في مقديشو منذ عام 2017.
منذ عدة سنوات، كانت تركيا تستثمر بكثافة في الصومال، عسكريًا واقتصاديًا. تُظهر قاعدة مقديشو، التي لديها القدرة على تدريب ما يصل إلى 10 آلاف جندي صومالي، التزام أنقرة باستقرار وتطوير القدرات الدفاعية للبلاد. لقد وضعت هذه الشراكة الاستراتيجية تركيا كحليف رئيسي للصومال، وعززت نفوذها في منطقة تتسم بتوترات جيوسياسية متزايدة، وخاصة بسبب التنافس بين القوى الكبرى على السيطرة على الطرق البحرية والموارد الطبيعية.
ومع ذلك، فإن النفوذ العسكري لتركيا يمتد إلى ما هو أبعد من الصومال. على مر السنين، بنت أنقرة شبكة واسعة من الشراكات الدفاعية في جميع أنحاء القارة الأفريقية. اكتسبت تركيا مكانة بارزة من خلال تصدير طائراتها العسكرية بدون طيار، وخاصة طائرة بيرقدار تي بي 2 الشهيرة. كانت هذه الطائرة القتالية بدون طيار، التي أثبتت فعاليتها في العديد من المسارح العملياتية، أداة رئيسية في "دبلوماسية الطائرات بدون طيار" في تركيا. تعد Bayraktar TB2 طائرة بدون طيار مسلحة قادرة على تنفيذ مهام استطلاعية وضربات دقيقة، مع قدرة طيران تصل إلى 24 ساعة وقدرة على حمل ذخائر موجهة.
تم نشر هذه الطائرات بدون طيار بنجاح في الصراعات الأخيرة، وخاصة في ليبيا، حيث دعمت حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة في قتالها ضد قوات المشير حفتر. من خلال تدمير أنظمة الدفاع الجوي للعدو والقوافل العسكرية، لعبت الطائرات بدون طيار التركية دورًا حاسمًا في الهجوم المضاد الليبي في عام 2020. عزز نجاح هذه الطائرات بدون طيار سمعة صناعة الدفاع في تركيا، والتي وجدت بسرعة مشترين ليس فقط في إفريقيا ولكن أيضًا في أوروبا والشرق الأوسط.
بالإضافة إلى الطائرات بدون طيار، تعمل تركيا على تحديث ترسانتها من الصواريخ الباليستية، مع تطوير تايفون وأنظمة دفاعية أخرى. إن إنشاء موقع اختبار في الصومال يتماشى مع ديناميكية الابتكار التكنولوجي وسعي أنقرة إلى تحقيق الاستقلال الاستراتيجي. ومن خلال توسيع قدراتها الباليستية والفضائية، لا تهدف تركيا إلى حماية مصالحها الوطنية فحسب، بل وأيضًا إلى تأكيد نفسها كقوة عسكرية رائدة في مناطق رئيسية مثل أفريقيا والشرق الأوسط.
وفي الوقت نفسه، لا تقتصر تركيا على توسعها العسكري في التحالفات التقليدية. فقد نجحت في تطوير شراكات مع دول ذات انتماءات جيوسياسية مختلفة، وبالتالي التغلب على الانقسامات التقليدية بين حلف شمال الأطلسي والكتل المنافسة مثل منظمة معاهدة الأمن الجماعي بقيادة روسيا. ومن خلال تصدير تقنياتها العسكرية إلى كل من أعضاء حلف شمال الأطلسي والدول غير المنحازة، تعمل أنقرة على وضع نفسها كمورد مفضل للأسلحة للعديد من البلدان التي تسعى إلى تحديث قواتها المسلحة بتكلفة أقل.
وفي الختام، يمثل إنشاء موقع اختبار الصواريخ الباليستية في الصومال خطوة أخرى في استراتيجية تركيا للتوسع العسكري والتكنولوجي. ويؤكد هذا المشروع على بروز تركيا المتزايد على الساحة الدولية، حيث تسعى إلى وضع نفسها كلاعب رئيسي قادر على التنافس مع القوى التقليدية. ومن خلال الجمع بين الدبلوماسية والتجارة والتكنولوجيا والوجود العسكري، تعمل تركيا على ترسيخ مكانتها كقوة متنامية مع توسيع نفوذها في أفريقيا وخارجها.