تحليل: قدرات العدو البحرية أمام السواحل الليبيه

قدرات العدو البحرية أمام السواحل الليبيه


قيل قديماً "من يملك البحر يملك المعركة" ، و يبدوا أن البحريه التركيه والقياده العسكريه التركيه بأكملها في ليبيا أصبحت لا  تَملُك إلا البحر ، فمنذ تَفاقُم الأوضاع في ليبيا و إتخاذ الأطراف المتنازعه في ليبيا طريقها للقتال ، والبحريه التركيه تُقدم كل أشكال الدعم الي ميليشيات حكومة الوفاق عن طريق النقل و الشحن العسكري المتواصل للعتاد و السلاح والمركبات ، بَل و التمركز القتالي قبالة السواحل الليبية ، و لكن بعد الهجوم الجوي الكاسح الذي تعرضت له انظمة الدفاع الجوي التركية فى قاعدة الوطيه غربى ليبيا واللذى تبعه إعلان البحريه التركيه عن القيام بتدريبات بحريه ضخمه قُبالة السواحل الليبيه أصبح الموقف مُحتَدمِاً.


الحشد 


أعلنت البحريه التركيه عن قيام 17 مقاتلة من سلاح الجو التركى بتدريبات مشتركه مع عدد كبير من فرقاطاتها يصل الي 8 قطع بحرية أمام السواحل الليبيه و علي بعد ما يزيد عن 2000 كم من القواعد الجويه التركيه ، و في ثلاث قطاعات مختلفه ، فالأمر ليس بجديد ، فتواجد الفرقاطات التركيه في تلك المنطقه ولاسيما الفرقاطات طراز  "بيري" المعدله  و المطوره حديثاً أمر مُعتاد مُنذ إندلاع  الازمه ، فقد كانت الفرقاطه "بيري" هي الحصان الرابح للبحريه التركيه ، خاصة و أنها مطوره بمُختلف المعدات الاوروبية الحديثة بل و التركيه أيضا ، تلك التجهيزات التي قد أخرجت الفرقاطه بثوب جديد  .


لكن الغير مُعتاد و الصادم في هذه المره  هو العدد الكبير الذي تم نشره ، فقد إعتادت البحريه التركيه علي إرسال فرقاطتين أو ثلاث و فى بعض الأحيان 4 فرقاطات علي الاكثر لمناطق الصراع المشتعله ، لكن إرسال 8 قطع في آنٍ واحد أمر جديد و  مُلفت للنظر ، وقد يذهب البعض بأن هذا العدد الضخم  ليس للتدريب فقط  بل للتصعيد المتوقع ، خاصةً بعد الهجوم الجوي الناجح علي قاعدة الوّطيه الجوية والذي أسفر عن تدمير كبير للمعدات التركية المُتعلقه بالدفاع الجوي و أشهرها منظومة  "هوك" أمريكية الصنع . 


الجدير بالذكر أنه حتي و لو لم يتم الإعلان عن وجود غواصات في هذا التدريب فإنه من البديهي و المنطقي أن يتم دعم هذا التشكيل الضخم  بعدد من الغواصات أيضا ، و تستطيع تركيا إرسال عدد ليس بالقليل من تلك الغواصات ، حيث أنها تمتلك 12 غواصه جميعهم من  نفس الطراز  ، و لكن بإصدارات مُختلفة ، فالقوام الرئيسي لقوة الغواصات التركيه مكون من 12 غواصة  طراز " تايب- 209" المانية الصنع ، 4 منهم عباره عن أحدث إصدار من هذا الطراز  و هو الإصدار 1400 ،  بينما ال 8 الباقيين هم من طرازات أقدم لكنها خَضعت لعمليات تطوير قوية .


القدرات و المميزات 


تعتمد البحريه التركيه بشكل مُكثف علي فرقاطات "بيري" الامريكية ، حيث تمتلك عدد 8 فرقاطات جميعهم مُطورين و محدثين  بشكل مكثف ، ومن أبرز ملامح هذا التطوير :
-  رادار فرنسي متطور "سمارت اس" الذي يوفر تغطيه راداريه و رصد  لمدي يصل الي 250 كم .
- منظومة القيادة و السيطرة وإدارة المعارك من طراز "جينيسيس" تركية الصنع .
- إستخدام صواريخ دفاع جوي حديثة من طراز "اي اس اس ام" المتطورة ذات المدي البالغ 50 كم ، و تحمل الفرقاطة الواحدة منه 32 صاروخ. 
كما تستطيع أيضا الفرقاطة  "بيري" مطاردة و إصطياد الغواصات نظراً لإمتلاكها أجهزة سونار حديث و قدرتها علي إطلاق الطوربيدات ، هذا بالإضافة الي 8 صواريخ مضادة للسفن  طراز "هاربون" ، أي أنها فرقاطة قادرة علي مواجهة كافة التهديدات البحرية و الجوية و حتي في الأعماق. 


 وفي حالة إرسال تركيا للغواصات التي تمتلكها  سوف يكون لديها قدرات اضافية في حرب الأعماق ، حيث إن الغواصات الالمانية لديها قدرات عالية جداً لاسيما في أحدث إصداراتها و هو الإصدار 1400 ، لكن يبقي الأهم و الإضافة الأقوي هي قُدرات الرصد و التتبع و التصنت الإلكتروني الذي توفره تلك الغواصات ، فوجود غواصة واحدة من تلك الغواصات في منطقة العمليات يرفع من قُدرات الرصد السلبي و التتبع الالكتروني .
كما تمتلك تلك الغواصات قدرات عالية في مهاجمة سفن السطح ، حيث أنها تتسلح  بصاروخ  "هاربون" المضاد للسفن و المطلق من تحت سطح الماء ، ولعل الإضافة الأقوي هي الصاروخ "هاربون بلوك 2" الأكثر تطوراً و القادر علي إصابة الأهداف الساحلية أو البرية داخل عمق الأراضي الليبيه بمدي يصل الي 140 كم ، لكن هذا الصاروخ غير متواجد إلا علي متن الغواصات الاربع من الإصدار 1400 ، أما باقي الغواصات ف تتسلّح بالنسخه الأولي من صاروخ "هاربون" (بلوك 1) القادر علي إستهداف السفن فقط .


التوظيف و الإستخدام 


-  الدفاع الجوي :-   يظهر جلياً أن الغرض الرئيسي من تواجد هذا الكم من القطع البحرية  و بهذه الإمكانيات هو توفير غطاء جوي ليس فقط بالرصد و التتبع و لكن بالصواريخ ايضا ، فبمدي 50 كم لصواريخ الدفاع الجوي المتواجده علي متن الفرقاطات تستطيع القطع البحرية توفير مظلة دفاع جوي و تغطية نيرانية داخل عمق الاراضي الليبيه إن تطلب الأمر ذلك ، الأهم من ذلك هو توفير مظلة دفاع جوي لحماية السفن نفسها ضد أي هجوم جوي ، فَبعد إستهداف كتيبة صواريخ "الهوك" أصبح جلياً أن الخطر القادم من السماء قد تجاوز بكثير مُجرد إستخدام الطائرات بدون طيار ، و أنه من الممكن إستهداف هذه القطع البحرية بهجوم جوي مماثل ، و هذا يفسر العدد الكبير للفرقاطات ، فبهذا العدد يمكن تشكيل شبكة دفاع جوي كثيفه تؤمن حمايه ذاتيه لذلك التجمع القتالى ، خاصه في ظل غياب الدعم الجوي من سلاح الجو التركي الذي لا يملك أي قواعد داخل ليبيا ولا أي تواجد لمقاتلاته داخل قواعد ميليشياته الحليفه بالأراضى الليبيه ، فكما ذكرنا سابقاً يَبعُد مسرح العمليات بالساحل الليبى عن أقرب القواعد الجوية التركية مسافة تزيد عن 2000 كم.


أي ان مقاتلات سلاح الجو لن تكون قادرة علي التواجد بإستمرار لحماية تلك القطع ، لأنه و بالرغم من  إمتلاك مقاتلاته لمدي قتالي بعيد و أيضا قدرات تزود بالوقود جواً إلا أنها ماتزال مُجبره علي قطع مسافة 2000 كم ذهاباً و أُخري إياباً ، و هذا مُكلف جداً في عنصري الوقت و المال ، و بالتالي فإن المجهود الرئيسي للدفاع عن هذا التشكيل البحري سيكون موكلاً الي الفرقاطات نفسها .


-  التحريم البحري :-  بوجود عدد ضخم من الفرقاطات مدعومه بالغواصات المتقدمة تستطيع هذه التشكيلات ان تَفرض منطقة تحريم بحري حول نطاق عملياتها المتوقع ، فمن يُريد أن يواجه هذا التشكيل عليه أن يستعد لمعارك بحرية  طاحنه ضد تشكيل مكون من 8 فرقاطات بالإضافة الى 4 غواصات علي أقل تقدير ، يمكن لهذا التشكيل أن يواجه أعداد ضخمة من القطع البحرية بفاعلية تامة ولاسيما اذا تم التنسيق الجيد بين الفرقاطات و الغواصات ، الأمر الذي يُحقق أقصي فاعليه ضد الأهداف السطحيه ، أيضاً تواجد الغواصات في نطاق عمليات الفرقاطات يُشكل درعاً واقياً ضد أي غواصات مُعاديه  قد تُحاول التسلل أو الهجوم علي القطع البحرية ، فعند مُطاردة إو إصطياد غواصه لابد من التعامل معها من السطح و العمق لزيادة فرص إكتشافها و تضييق الخناق عليها ، أي أنه تَشكيل مُتكامل أيضا لرصد و تتبع الغواصات ، كما يُمكن أن تُساهم الغواصات في تعطيل و تدمير أي دعم بحري قادم لمُساندة العمليات علي الأرض .  

-  الهجوم الارضي :-  بالقَطع تمتلك تلك الفرقاطات مدفعاً بحرياً عيار 76 مم قادر علي قَصف الشواطئ  و توفير دعم نيراني للقوات المُتحالفه معه علي الارض ، لكن قُرب السواحل فقط  نظراً لمحدودية المدي القتالي لتلك المدافع ، بينما يأتي الخطر الحقيقي من الغواصة "تايب- 209- 1400 " ، نظراً لإمتلاكها الصاروخ المتطور "هاربون بلوك 2" و القادر علي توجيه ضربات صاروخيه موجعه في داخل الاراضي الليبيه ، لكن مع الوضع فى الإعتبار غياب الكثافه النيرانيه ، حيث أن الغواصه الواحده لا تَحمل أكثر من 4 صواريخ فقط ، كما أن هذا الصاروخ مُخصص فى الأساس للهجوم علي القطع البحرية ، أي أنه في حالة  الهجوم علي أهداف داخل الأراضي و تم إستهلاك كافة الصواريخ ( و هو أمر متوقع ) سَتفّقد الغواصة بعدها قُدرة الهجوم علي السفن من مسافات آمنة ، لذا سُيحتم علي قادة البحرية التركية إختيار الأهداف الساحلية و البرية بحكمة و عناية ، الجدير بالذكر أن  باقي الغواصات من الأصدارات الآخري تمتلك صواريخ "هاربون بلوك 1 " ، أي أنها قادرة علي مهاجمة السفن فقط و ليس العمق أو الأهداف البرية ، أما الفرقاطات فبالرغم  من إمتلاكها عدد أكبر من صواريخ هاربون ( 8 صواريخ للقطعة الواحدة ) إلا أنها كُلها من الإصدار الأول "هاربون بلوك 1" الغير قادر علي إستهداف المواقع  البرية .   


إن توفير هذا الكم من القوة البحرية في نِطاق عمل واحد و بهذه الكثافه هو حشد قوي لعمل عسكري ضخم ، بل و يدل علي تَوقّع تُركي لتهديدات عسكرية ضخمة من قوات ضخمة ، و ليس مُجرد دعم و قِتال مليشيات خفيفة التسليح ، إن تواجد مِثل هذه الحشود يُنذر بمواجهه عسكرية ضخمه إذا تمت المواجهة العسكرية في البحر ، أو يُقر بفرض أمر واقع جديد إذا لم يتم تغيير هذه الأوضاع العسكرية الحاليه .