في السابع عشر من سبتمبر 2024، اهتزت لبنان بموجة من الانفجارات المتزامنة تقريبا التي أثرت على مئات من أعضاء حزب الله، الميليشيا الشيعية المرتبطة بإيران. وقد نشأت هذه الانفجارات من أجهزة النداء، التي استخدمتها المنظمة لتجنب المراقبة الإلكترونية والهجمات الإلكترونية. ووفقا لعدة مصادر اتصلت بها رويترز، فقد اعترضت إسرائيل أجهزة النداء بعد شرائها في تايوان، مما سمح بتركيب شحنات متفجرة صغيرة داخلها.
وقد تبنى حزب الله هذه الأجهزة، المعروفة أيضا باسم "أجهزة النداء"، لأسباب أمنية. تعمل هذه الأجهزة عبر الرسائل الراديوية، باستخدام بروتوكول الإرسال اللاسلكي POCSAG، والذي يوفر تغطية أوسع - وهو أصل مهم في لبنان. وكان النموذج الأكثر استخداما هو Rugged Pager AR924، الذي أنتجته شركة Apollo Gold التايوانية.
يوفر هذا الجهاز القوي عمر بطارية يصل إلى 85 يوما، وذلك بفضل بطارية الليثيوم الخاصة به. وعلى الرغم من هذه الاحتياطات، فقد كشفت انفجارات أجهزة النداء عن نقاط ضعف داخل جهاز الأمن التابع لحزب الله.
وقد أثارت الانفجارات تكهنات بسرعة. ونصحت وزارة الصحة اللبنانية حاملي أجهزة النداء بالابتعاد عن هذه الأجهزة على الفور، ووضعت المستشفيات في حالة تأهب قصوى للتعامل مع تدفق الضحايا. وبحسب مصادر أمنية لبنانية، يشتبه في أن إسرائيل تقف وراء هذا الحادث. ويُزعم أن أجهزة النداء التي يستخدمها حزب الله تم تعديلها أثناء الإنتاج من قبل الموساد، وكالة الاستخبارات الإسرائيلية. وبحسب التقارير، تم إخفاء المتفجرات في الأجهزة وتفعيلها عن بعد بواسطة رمز. ويُعتقد أن هذه العملية تم التخطيط لها على مدى عدة أشهر، مما يشير إلى تسلل عميق لشبكة أمن حزب الله.
وأفادت وكالة رويترز أن أجهزة النداء الخمسة آلاف التي استوردها حزب الله كانت من إنتاج شركة جولد أبولو التايوانية. ومع ذلك، أوضحت الشركة أن هذه الأجهزة ليست منتجاتها المباشرة بل تم تصنيعها من قبل شركة أوروبية تسمى BAC، والتي تمتلك ترخيصًا لاستخدام علامتها التجارية. وتزعم مصادر أمنية لبنانية أن الموساد أدخل دائرة متفجرة صغيرة في أجهزة النداء، لا يمكن اكتشافها بأساليب التفتيش القياسية. وانفجرت حوالي 3000 من هذه الأجهزة في وقت واحد، مما تسبب في إصابات خطيرة لمستخدميها.
ووصف حزب الله هذه الحادثة بأنها "أكبر خرق أمني" واجهته في السنوات الأخيرة. واتهمت السلطات اللبنانية إسرائيل على الفور بالمسؤولية عن هذا "العدوان الإجرامي"، الذي أسفر عن سقوط العديد من الضحايا، بما في ذلك المدنيين. وفي بيان، تعهد حزب الله بالانتقام مع التأكيد على دعمه للقضية الفلسطينية، وخاصة في غزة.
سلطت هذه العملية الضوء على قدرة إسرائيل على التسلل إلى حزب الله، مما يمثل أحد أكبر إخفاقات مكافحة التجسس للميليشيا الشيعية منذ عقود. وقد تفاقمت التوترات المرتفعة بالفعل بين إسرائيل وحزب الله، مع حدوث تبادل منتظم لإطلاق النار على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية منذ بداية الصراع في غزة. ومع ذلك، يعتقد الخبراء أن هذه الانفجارات لا تشير بالضرورة إلى هجوم بري إسرائيلي وشيك، لكنها تؤكد على مدى قدرات إسرائيل على التسلل والاستخبارات.
ويؤكد هذا الحادث على حقيقة جديدة في الحرب السيبرانية الحديثة، حيث يمكن للأجهزة الإلكترونية اليومية ذات الاتصال اللاسلكي أن تصبح أسلحة قاتلة محتملة. كما يسلط الضوء على نقاط الضعف في سلاسل توريد الأجهزة، وهي قضية متكررة في الأمن الدولي.