أخبار: الحلول من تقرير دراجي لإصلاح المجمع العسكري الصناعي الأوروبي

إن تقرير ماريو دراجي، الذي قدم في سبتمبر 2024، يحدد استراتيجية لتعزيز القدرة التنافسية والاستقلال الاستراتيجي للاتحاد الأوروبي. ويشكل نقطة التحول في سياسة الدفاع الأوروبية محور هذا التحليل. ففي ضوء التحديات الجيوسياسية المتزايدة، بما في ذلك الحرب في أوكرانيا والتوترات العالمية، يؤكد التقرير على ضرورة إصلاح أوروبا لآليات دفاعها بشكل عميق لضمان الأمن على المدى الطويل.

ومن بين نقاط القوة الرئيسية للاتحاد الأوروبي قدرته على تنسيق مشاريع التسلح المتعددة الجنسيات، مثل نظام القتال الجوي المستقبلي (FCAS) ونظام القتال الأرضي الرئيسي (MGCS). وتهدف هذه البرامج، التي تقودها شركات صناعة الدفاع العملاقة مثل فرنسا وألمانيا، إلى تحديث القدرات العسكرية لأوروبا. وكان إنشاء صندوق الدفاع الأوروبي (EDF) في عام 2017 خطوة حاسمة. ويمول هذا الصندوق، الذي تديره المفوضية الأوروبية، مشاريع البحث والتطوير في قطاع الدفاع، وبالتالي تعزيز الاستقلال الصناعي لأوروبا.

ومع ذلك، يسلط تقرير دراجي الضوء على العديد من نقاط الضعف التي تعيق فعالية سياسة الدفاع في الاتحاد الأوروبي. إن الافتقار إلى التنسيق بين الدول الأعضاء والاعتماد المستمر على الولايات المتحدة في الحصول على المعدات العسكرية يظلان من العوائق الرئيسية. ففي عام 2022، لم يأت سوى 18% من الأسلحة التي حصلت عليها الدول الأوروبية من برامج التعاون داخل أوروبا، وهو ما يقل كثيرا عن الهدف الذي حددته استراتيجية الدفاع الصناعي للاتحاد الأوروبي (35%).

إن هذا التفتت واضح أيضا في الإنتاج الصناعي. إذ تواصل الشركات الوطنية الكبرى، مثل داسو وراينميتال، الهيمنة على الأسواق الوطنية، مما يحد من عمليات الاندماج عبر الحدود التي قد تعزز القدرة التنافسية العالمية لأوروبا.

لقد كشفت الحرب في أوكرانيا عن أوجه القصور في النظام العسكري الصناعي الذي يعتمد بشكل مفرط على المصادر الخارجية. وبالإضافة إلى الضغوط الاقتصادية الناجمة عن الإنفاق العسكري غير الكافي، فقد ثبت أن قدرة أوروبا على إنتاج الذخائر والمعدات الدفاعية غير كافية. ووفقا للتقرير، فإن هذا الواقع يؤكد على الحاجة الملحة: يجب على أوروبا تسريع توحيد شركاتها الدفاعية لتلبية الطلب المتزايد، وخاصة في حالة الصراع المطول أو الأزمات المستقبلية.

ويشير تقرير دراجي أيضاً إلى أن الاكتفاء الذاتي الدفاعي لبعض الدول الأعضاء يعقد التعاون الأوروبي. وتستمر أغلب الدول الأوروبية في تفضيل الإنتاج الوطني أو استيراد المعدات الأميركية، الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم الاعتماد عبر الأطلسي.

ولمعالجة هذه التحديات، يقترح ماريو دراجي عدة تدابير. فهو يدعو إلى إنشاء نظام عسكري صناعي فوق وطني من شأنه أن يتيح تنسيقاً أفضل للسياسات الدفاعية وعمليات شراء الأسلحة على المستوى الأوروبي. ويشمل هذا تعزيز الأدوات الميزانية، بهدف الاستثمار الضخم لسد الفجوة التكنولوجية.

وفيما يتصل بالحوكمة، يدعو التقرير إلى إنشاء مجلس دفاع أوروبي، مع التصويت بالأغلبية لتسريع عملية اتخاذ القرار وتجنب الجمود. ومن شأن هذا التحول في الحوكمة أن يسهل أيضاً التنفيذ السريع للمشاريع الكبرى مثل FCAS، التي لا تزال تعاني من المفاوضات الحكومية البطيئة.

وأخيراً، لتحسين المرونة الصناعية، يقترح التقرير تعزيز القاعدة التكنولوجية والصناعية الدفاعية الأوروبية. إن هذا قد يتضمن تشجيع عمليات الاندماج والاستحواذ بين شركات الدفاع الكبرى، وتعزيز إنشاء أبطال أوروبيين قادرين على المنافسة مع الشركات العملاقة الأميركية أو الصينية.

في حين يضع تقرير دراجي أساسًا قويًا لإعادة تشكيل سياسة الدفاع الأوروبية، فإن طموحاته تواجه حقائق سياسية واقتصادية داخل الاتحاد الأوروبي. ورغم أن الدعوة إلى مزيد من التنسيق وتعزيز الاستقلال الاستراتيجي ذات صلة، فإن تنفيذ التوصيات يتطلب إرادة سياسية ثابتة وتسوية بين المصالح الوطنية المتباينة في كثير من الأحيان.

ويدعو التقرير إلى حلول جريئة، مثل إنشاء نظام عسكري صناعي فوق وطني. ومع ذلك، فإنه لا يأخذ في الاعتبار بشكل كامل المقاومة السياسية لبعض الدول الأعضاء. فقد تعارض دول مثل بولندا والمجر أي خسارة للسيادة في هذا المجال الاستراتيجي. والمناخ السياسي الحالي، مع اختلاف الرؤى بين الدول الأعضاء، قد يحد من فعالية هذا النهج فوق الوطني.

على الرغم من أن التقرير يدعو إلى استثمارات ضخمة في صناعة الدفاع، إلا أنه يفتقر إلى مقترحات ملموسة لتأمين التمويل الطويل الأجل. ويحتفظ صندوق الدفاع الأوروبي حاليا بثمانية مليارات يورو للفترة 2021-2027، وهو مبلغ لا يزال غير كاف لتلبية احتياجات التحديث العسكري مقارنة بقوى مثل الولايات المتحدة أو الصين. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الدول الأعضاء على استعداد لزيادة مساهماتها بشكل كبير.

ويؤكد التقرير على الحاجة الملحة إلى الحد من الاعتماد على الولايات المتحدة، ولكن هذه العلاقة تظل حاسمة لأن حلف شمال الأطلسي لا يزال يلعب دوراً رئيسياً في الأمن الأوروبي. ولا يأخذ اقتراح دراجي لمزيد من الاستقلال الاستراتيجي في الاعتبار بشكل كامل المخاطر المترتبة على إضعاف العلاقات مع الولايات المتحدة، التي تظل حجر الزاوية في الدفاع الجماعي في أوروبا.

وأخيراً، يبدو الاقتراح بتعزيز القاعدة التكنولوجية والصناعية الدفاعية الأوروبية من خلال عمليات الاندماج والاستحواذ منطقياً على الورق. ومع ذلك، فإنه يتجاهل تعقيدات الأسواق الوطنية ومقاومة الشركات الكبرى، التي تسعى إلى الحفاظ على هيمنتها الوطنية. وقد أثبت التكامل الصناعي على المستوى الأوروبي صعوبته في الماضي، كما يتضح من الاندماج الفاشل بين EADS وBAE Systems في عام 2012.

وفي الختام، في حين يمهد تقرير دراجي الطريق لتحول عميق في سياسة الدفاع الأوروبية، تظل أوروبا عند مفترق طرق. ولمعالجة التهديدات الجيوسياسية الحالية والمستقبلية، يتعين على الاتحاد الأوروبي اتخاذ خطوات أخرى نحو التكامل والاستقلال الاستراتيجي، باستثمارات كبيرة وتنسيق سياسي أكثر فعالية. وفي نهاية المطاف، يؤكد التقرير على الحاجة الملحة إلى أوروبا أقوى وأكثر توحدا، وأكثر استعدادا لمواجهة الأزمات المستقبلية.