اتخذت اليونان خطوةً هامةً نحو إعادة تعريف دفاعها الوطني بالإعلان الرسمي عن "درع أخيل"، وهو مبادرة دفاع جوي بقيمة 2.8 مليار يورو (3 مليارات دولار)، تُشكل العنصر الأكثر تطورًا من الناحية التكنولوجية في برنامج التحديث العسكري الجاري في البلاد والبالغة تكلفته 25 مليار يورو.
كشف رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس عن "درع أخيل" في البرلمان في 2 أبريل 2025، وهو مُصمم كنظام دفاع جوي متكامل متعدد الطبقات، قادر على مواجهة مجموعة واسعة من التهديدات، بما في ذلك الطائرات، والصواريخ الباليستية، وصواريخ كروز، والطائرات بدون طيار، والمنصات البحرية، وحتى التهديدات التي تُمثلها الغواصات. ومن المقرر أن يبدأ تشغيله بحلول عام 2027، وهو لا يُمثل جهدًا تحديثيًا بالغ الأهمية فحسب، بل يُمثل أيضًا محورًا استراتيجيًا في كيفية تصوّر اليونان لدورها في شرق البحر الأبيض المتوسط، وضمن الموقف الدفاعي الجماعي لحلف شمال الأطلسي (الناتو).
هناك عوامل متعددة تدفع تطوير شبكة الدفاع الجوي اليونانية المستقبلية "درع أخيل"، أبرزها تزايد تعقيد وشدة تحديات الأمن الإقليمي. وقد كشفت التوترات مع تركيا المجاورة بشأن النزاعات البحرية والجوية، والاستخدام المتزايد للطائرات المسيرة والذخائر دقيقة التوجيه في الصراعات الحديثة، وانتشار تقنيات الصواريخ الباليستية، عن نقاط ضعف في منظومة الدفاع الجوي اليونانية الحالية. وتتطلب هذه التهديدات نظامًا شبكيًا متعدد الطبقات وسريع الاستجابة، قادرًا على العمل عبر نطاقات متعددة، والتصدي في آن واحد لأنواع مختلفة من الهجمات.
تشغل القوات المسلحة اليونانية حاليًا ما مجموعه 81 نظامًا صاروخيًا أرض-جو، منها 48 منصة بعيدة المدى و33 منصة قصيرة المدى. ومن بين الأصول بعيدة المدى 36 منصة إطلاق صواريخ باتريوت M901 PAC-2، و12 نظامًا سوفيتيًا من طراز S-300PMU1 (تصنيف الناتو: SA-20 Gargoyle)، والتي أصبحت هذه الأخيرة قديمة بشكل متزايد. تحتفظ اليونان أيضًا بدفاعات قصيرة المدى، تشمل 9 أنظمة كروتال NG/GR، و4 أنظمة 9K331 Tor-M1 (SA-15 Gauntlet)، و20 صاروخ RIM-7M Sparrow مدمجة مع وحدات التحكم في إطلاق النار Skyguard. ورغم أن هذه الأنظمة خدمت القوات المسلحة اليونانية بكفاءة، إلا أنها تفتقر إلى التوافق التشغيلي، وسرعة رد الفعل، والقدرات متعددة الأدوار اللازمة لمواجهة التهديدات الحالية والناشئة.
وفي إطار جهود التحديث الأوسع، تسعى اليونان بنشاط لاستبدال أنظمة S-300PMU1 القديمة. ووفقًا لمصادر إعلامية يونانية ودولية، يُعتبر نظام باراك MX الإسرائيلي الصنع، الذي طورته شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية (IAI)، البديل الرائد. يوفر باراك حلاً دفاعيًا جويًا معياريًا عالي المرونة، مع صواريخ اعتراضية تغطي نطاقات تتراوح بين 35 و150 كيلومترًا، مما يوفر الحماية ضد الطائرات بدون طيار والطائرات وصواريخ كروز، وحتى أنواعًا معينة من التهديدات الباليستية. وقد اختارت دول مثل ألمانيا وفنلندا بالفعل أنظمة مماثلة، مما يدل على موثوقيتها وتوافقها التشغيلي مع حلف شمال الأطلسي (الناتو).
أكد رئيس الوزراء ميتسوتاكيس على القيمة الاستراتيجية لإسرائيل كشريك دفاعي، مشيرًا إلى أن أنظمة مثل باراك يمكن تسليمها بشكل أسرع بكثير من البدائل من الولايات المتحدة أو أوروبا. وقال ميتسوتاكيس: "اليونان لديها بالفعل أنظمة باتريوت الأمريكية. إذا اشترينا أنظمة جديدة، فسيكون وقت الانتظار من أربع إلى خمس سنوات. القدرات الأوروبية محدودة. إسرائيل، التي نحافظ معها على تحالف استراتيجي، يمكنها تقديم حلول أسرع". يُعد النشر السريع عاملاً حاسمًا حيث تهدف أثينا إلى تعزيز شبكة دفاعها الجوي دون تأخير طويل في القدرة التشغيلية.
على الرغم من أن إسرائيل هي المرشح الأوفر حظًا حاليًا، فقد بدأت اليونان أيضًا مشاورات مع دول أخرى متحالفة مع حلف شمال الأطلسي لاستكشاف أنظمة تكميلية أو بديلة لكل من درع أخيل وإصلاح الدفاع الجوي الأوسع. يمثل نظام SAMP/T NG الفرنسي، الذي يستخدم صاروخ أستر 30 والقادر على الدفاع ضد الصواريخ الباليستية، خيارًا طويل المدى قابلاً للتطبيق. تقدم إيطاليا والنرويج نظام NASAMS عالي الحركة، الذي طُوّر بالتعاون مع الولايات المتحدة، ويستخدم صواريخ AIM-120 AMRAAM، وهو يعمل بالفعل في أكثر من اثنتي عشرة دولة عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو). كما يخضع نظام IRIS-T SLM الألماني، الذي نال إشادة لفعاليته ضد صواريخ كروز والطائرات بدون طيار، ونظام Patriot PAC-3 MSE الأمريكي للمراجعة، مع أن توافره وجداول تصديره لا تزالان من أبرز المخاوف.
يعكس برنامج "درع أخيل"، إلى جانب عملية الشراء المخطط لها لنظام باراك، حاجة اليونان المُلحة للانتقال من معدات حقبة الحرب الباردة إلى منظومة دفاعية رقمية شبكية قادرة على مواجهة تهديدات متعددة. ومع تزايد الضغوط على الأمن القومي نتيجةً لتغير الديناميكيات الجيوسياسية، تُجري اليونان استثمارًا حاسمًا في الاستقلالية الاستراتيجية والاستقرار الإقليمي. ولن يُعزز دمج أصول الدفاع الجوي الحديثة السيادة الوطنية فحسب، بل سيُعزز أيضًا مساهمة اليونان في دفاع الجناح الشرقي لحلف الناتو.
لا يقتصر هذا التوجه التحديثي على المعدات فحسب؛ بل يُمثل تحولًا عقائديًا. صُمم "درع أخيل" كنظام دفاعي مُركّز على الشبكة، يجمع بين دمج أجهزة الاستشعار، والصواريخ الاعتراضية المتقدمة، وتبادل البيانات في الوقت الفعلي، في بنية قيادة وتحكم واحدة. ومع تزايد تعقيد التهديدات وتعدد أبعادها، يُعدّ هذا النوع من الأنظمة ضروريًا للاستعداد العسكري الحديث.
مع انتهاء اليونان من اختيار مُورّديها والمضي قدمًا في مفاوضات العقود، ستكون الأشهر المقبلة حاسمة في تحديد مستقبل قدراتها الدفاعية الجوية. ولكن من الواضح أن اليونان، من خلال "درع أخيل"، تتخذ خطوة حاسمة نحو تأمين سمائها وحماية مصالحها الاستراتيجية في بيئة أمنية سريعة التطور.