تحليل: الإشتباك الجوي الهندي – الباكستاني والحرب الجوية الحديثة

الإشتباك الجوي الهندي – الباكستاني والحرب الجوية الحديثة 11-5-2025  



في 22 إبريل الماضي، شن مسلحون هجومًا على أحد المنتجعات في الشطر الهندي من إقليم كشمير المتنازع عليه، وأسفر عن مقتل 29 مدنيًا من جنسيات مختلفة، حيث توعدت الهند بالرد على منفذي الهجوم. 

وفي 6 مايو من الشهر التالي، شنت القوات الجوية الهندية ضربة جوية على معاقل الجماعات التي إنطلق منها هذا الهجوم. حيث قامت باستخدام مقاتلاتها في إطلاق صواريخ بعيدة المدى ضد المواقع المستهدفة، فيما دافعت القوات الجوية والدفاع الجوي الباكستاني عن أراضيها، واستطاعوا وفق ما تم تداوله، إسقاط 5 مقاتلات هندية، ثلاث منهم طراز رافال (يتوقع إحداها ميراج -2000)، وإثنتين إحداها ميج-29 والأخرى سوخوي-30 بالإضافة إلى طائرة استطلاع بدون طيار، ولم يسقط من الجانب الباكستاني أى مقاتلات.


أولاً: معالم تجهيزات المقاتلات الحديثة:


شهد بند المقاتلات تطورًا ملحوظًا خلال الثلاث عقود الماضية، إذ ساهم التطور في صناعة البرمجيات ووسائل الإتصال إلى فتح آفاق جديدة لتجهيزات مقاتلات الجيل الرابع، التي كان لا يتجاوز عمرها أكثر من عقد ونصف في صفوف القوى الجوية على مستوى العالم، والتي كانت تتمثل في مقاتلات F-16/15/18/14 الأمريكية، والميراج – 2000/F1 الفرنسية، التورنادو الأوروبية، الميج-29 والسوخوي-30 الروسية، كأبرز المقاتلات التي كانت تستحوز على سوق المبيعات الدولية في ذلك الوقت.

وأدى التطور المتسارع إلى تزويد هذا الجيل بوسائل تواصل أكثر تشابكًا بين الطائرات/ المنصات الجوية المختلفة، مما عزز من أدائها، وأدى لظهور ما يطلق عليه مقاتلات الجيل الرابع المتقدم، والتي تطورت أغلبها من نفس طرازات الجيل الرابع، مثل F-16/15/18 الأمريكية، أو ظهرت طرازات أحدث مثل الرافال الفرنسية، واليوروفايتر الأوروبية، والميج-35 والسوخوي-35 الروسية، والجي-10 الصينية. حيث تميزت أغلب مقاتلات الجيل الرابع المتقدم عن الجيل الرابع بالآتي:


1- الرادار:

كانت مقاتلات الجيل الرابع منذ ظهورها في سبعينيات القرن الماضي، بالرغم من أنها أولى أجيل المقاتلات متعددة المهام (نفس الطائرة تستطيع تنفيذ مهام جو – جو، جو – أرض، استطلاع) مزودة برادارات نبضية، وهي رادارات كانت تعمل أثناء استخدامها في المهام الجوية إما بمهام جو – جو، أو جو – أرض. ولا تستطيع تشغيل كلتا المهمتين في نفس الوقت، مع مديات كشف وقدرات تتبع ووسائل مقاومة الإعاقة الإلكترونية أقل. ولكن في مقاتلات الجيل الرابع المتقدم، فقد تم تزويد أغلبها برادارات ذات إمكانيات أكبر متمثلة في رادارات المسح الإلكتروني النشظ AESA، والتي تتميز بعدة خصائص، أهمها:

-  القدرة على العمل بمهام البحث والقبض والتتبع أثناء الإطلاق في نفس الوقت.

-  القدرة على كشف الأهداف الجوية – البرية – البحرية في نفس الوقت.

-  مديات كشف مضاعفة.

-  قدرة أفضل على مقاوم الإعاقة الإلكترونية.


2- أجهزة الاستشعار والإجراءات المضادة: 

والمقصود بها أجهزة التحذير من نبضات الرادارات المعادية، وتحديد أنواعها واتجاهاتها، وموقفها سواء كانت مازالت في حالة بحث أو تتبع او قبض أو إطلاق (في حالة كونها منصة صواريخ رادارية/ مقاتلة). مضاف إليها مكونات رقائق معدنية Chaff تُطلق سواء آليًا أو بواسطة الطيار لتشتيت الصواريخ الرادارية الموجهة لتدمير الطائرة.

وينطبق هذا أيضًا على التحذير من الصواريخ الحرارية التي تطلق من منصات جوية أو برية أو حتى بحرية. والتي يضاف إليها أيضًا مكونات مشاعل مضيئة Flare تجذب إليها رؤوس البحث الحراري لتلك الصواريخ. وكافة أجهزة الاستشعار هذه تعتبر الأحدث مما كانت على مقاتلات الجيل الرابع.


3- أجهزة الحرب الإلكترونية: 

وهي حواضن  بها مستقبلات ومرسلات ومعالجات إشارات رادارية، كانت تركب على إحدى نقاط تعليق الأسلحة في مقاتلات الجيل الرابع، وتستخدم للإعاقة على رادارات العدو أثناء تنفيذ عمليات قصف/ استطلاع في عمق أراضيه. وذلك بتحليل ترددات هذه الرادارات المعادية، التي في أغلب الأحيان يكون قد تم تخزين مسبقًا نتيجة الحصو عليها من الشركات المصنعة/ أجهزة مخابرات. وإصدار موجات مضادة تمنع هذه الرادارات من القدرة على توجية صواريخ، أو حتى رصد دقيق لمواقعها. وتستخدم إحدى الأسلوبين:

- وضع الأهداف الخداعية: بحيث تبعث تلك الحواضن للرادارات المعادية إنعكاسات رادارية متعددة لطائرة الواحدة، بحيث تشتت وحدات الصواريخ في استبيان أى من هذه الإنعكاسات خداعية، وأيهما الطائرة الحقيقية.

- وضع التداخل الكامل: وهي الحالة المُثلى، بحيث تقوم تلك الحواضن بإرسال إنعكاسات شديدة القوة للرادارات المعادية، لا تمكنه أصلاً من رؤية أى شئ على الرادار (شاشة الرادار تكون بيضاء بالكامل). وهو ما يرجح أن يكون حدث أثناء الضربة الجوية الإسرائيلية للعمق الإيراني في أكتوبر الماضي.


  ولكن بدأت بعض مقاتلات الجيل الرابع المتقدم في دمج هذه الأجهزة داخل جسم الطائرة، مثل نظام سبكترا المركب على المقاتلة رافال الفرنسية، مما لا يهدر استخدام إحدى نقاط تعليق الأسلحة لهذا الغرض.


4- الأجهزة الكهروبصرية: 

وهي من ضمن الإضافات التي تميز مقاتلات الجيل الرابع المتقدم عن الجيل الرابع. وهي عبارة عن كاميرات تعمل بأنماط رؤية تلفزيونية – حرارية، تعمل على إكتشاف الأهداف الجوية – البرية – البحرية، وذلك بمديات قد تصل إلى 90 كم. وتستخدم هذه الأجهزة للبحث عن الأهداف دون الحاجة لفتح رادار الطائرة، ما يقلص من إمكانية كشفها بواسطة أجهزة الرصد الراداري السلبي، ويمكن توظيفها في ضمن مهام وتكتيكات قتال متعددة.


5- التزود بالوقود جوًا:

تلك الخاصية كانت إحدى مميزات أغلب مقاتلات الجيل الرابع عن سابقتها (الجيل الثالث)، وهي القدرة على إعادة التزود بالوقود جوًا، سواء من طائرة Tanker، أو من مقاتلات أخرى، سواء من نفس الطراز أى طرازات أخرى.



ثانيًا: مقارنة المقاتلات الهندية - الباكستانية:

شهدت الصراع الهندي – الباكستان العديد من المواجهات خلال العقود الست الماضية، حيث تفاوتت شدتها ما بين حرب شاملة، أو عمليات محدودة سواء. ولكن كانت مشاركة القوات الجوية للجانبين هي القاسم المشترك في كل الصدامات السابقة. إذ تمتلك القوات الجوية للجانبين بحسب Military-Balance2025 الآتي:

1- أنواع المقاتلات:

أ‌- القوات الجوية الهندية: تمتلك مقاتلات Jaguar+  Mirage 2000+ Rafale فرنسية، وMiG-21&29 +    Su-30MKIروسية إلى جانب Tejasهندية الصنع. بإجمالي 721 مقاتلة موزعين على 31 سرب قتال كالآتية:

- 13 سرب Su-30MKI (الجيل الرابع).

- 6 أسراب Jaguar (الجيل الثالث).

- 3 أسراب Mirage 2000 (الجيل الرابع).

- 3 أسراب MiG-29 (الجيل الرابع).

- 2 سرب MiG-21 (الجيل الثالث).

- 2 سرب Rafale (الجيل الرابع المتقدم).

- 2 سرب Tejas (الجيل الثالث).


 ب‌- القوات الجوية الباكستانية: تمتلك مقاتلات F-7 + J-10  + JF-17 الصينية، F-16 الأمريكية، Mirage - 3 + Mirage - 5 الفرنسية. بإجمالي 465 مقاتلة موزعين على 17 سرب قتال كالآتي:

- 6 سرب JF-17 (الجيل الرابع).

- 3 سرب F-7 (النسخة الصينية من MIG-21 – الجيل الثالث).

- 3 سرب F-16 (الجيل الرابع).

- 3 سرب Mirage – 5 (الجيل الثالث).

-  سرب Mirage – 3 (الجيل الثالث).

-  سرب J-10 (الجيل الرابع المتقدم).


2- تسليح المقاتلات:

نتيجة لتنوع مصادر تسليح القوات الجوية الهندية والباكستانية في المقاتلات، بالتالي نجد بأن هناك تنوع في ذخائرها المختلفة، والتي يساهم تنوعها هذا في تقليل قدرة أى من الطرفين على إبطال/ تقليص فاعلية قوة الطرف الآخر، وسنركز هنا على الصواريخ جو – جو:

تمتلك القوات الجوية الهندية الصواريخ التالية:

- الصواريخ قصيرة المدى (الحرارية): R-60 / R-73 الروسيين + R-550 / Mica الفرنسيين.

- الصواريخ متوسطة – بعيدة المدى (الرادارية): R-27 / R-77 الروسيين + Super 530/ Mica الفرنسي + Meteor الأوروبي.


تمتلك القوات الجوية الباكستانية الصوواريخ التالية:

- الصواريخ قصيرة المدى (الحرارية): AIM-9L/P Sidewinder الأمريكية + U-Darter الجنوب أفريقي + PL-5E-II / PL-10 الصينيين.

- الصواريخ متوسطة – بعيدة المدى (الرادارية): Super 530 الفرنسي + AIM-120C AMRAAM الأمريكي + PL-12 / PL-15 الصينيين.



رابعًا: الدروس المستفادة من تلك المواجهة للعمليات الجوية الحديثة: 


 مما سبق نجد بأن القوات الجوية الهندية تتفوق على نظيرتها الباكستانية كمًا بمقدار الضعف تقريبًا، ونوعًا بنفس الكيفية أيضًا.

إذ أن 5% فقط تقريبًا من أسراب المقاتلات الباكستانية هي من الجيل الرابع المتقدم، و52% تقريبًا من الجيل الرابع، والباقي من الجيل الثالث الأقدم كثيرًا. 

بينما نجد بأن 6% تقريبًا من أسراب المقاتلات الهندية هي من الجيل الرابع المتقدم، و61% تقريبًا من الجيل الرابع، والباقي من الجيل الثالث. ولكن نظرًا للتفوق العددي للقواات الجوية الهندية، فنجد بأن تلك النسبة تعادل عدديًا ضعف ما لدى باكستان.

إلى جانب هذا، فيجب وضع بعض النقاط في الحسبان عند تقييم الخسائر الهندية، مثل:

- توقع الجانب الباكستاني للضربة الجوية الإنتقامية الهندية.

- ترجيح تجاه المجهود الرئيسي للضربة.

- دراسة دقيقة ومجدثة لخصائص المقاتلات والذخائر الهندية التي يتوقع استخدامها، سواء أكانت جو – جو أو جو – أرض.

- وضع المقاتلات الهندية المهاجمة في موقف المُدافع، ما يضع المقاتلات الباكستانية في موقف قتالي أفضل.


وبالتالي؛ فعلى الرغم من أن القوات الجوية الهندية هي من إمتلكت المبادءة، إلا أن العمليات الجوية تختلف في ظروف هذا المبدأ، بخلاف العمليات البرية أو البحرية.

ففي العمليات البرية على سبيل المثال، يكون الطرف الممسك بزمام المبادءة هو الأفضل، سواء من حيث حشد القوات أو إختراق الدفاعات والتمسك بالأرض الحاكمة، والتي تؤثر بالسلب في النهاية على المدافع، دون الحاجة للإرتداد.

ولكن في الضربة الجوية الهندية، لا تستطيع قواتها الجوية التمسك بالسماء إلا في ظرف الحرب الشاملة، والتي تستوجب تقدم قواتها البرية للسيطرة على الأراضي التي تم تأمين سمائها بالقوات الجوية (نموذج الثغرة في حرب أكتوبر 1973). وهذا هو الموقف الذي نجحت القوات الجوية الباكستانية في الاستفادة منه بمهارة عالية، وكبدت القوات الجوية الهندية خسائر في طرازات متعددة، وفي أماكن مختلفة. ما ينفي فكرة سوء نوعية مقاتلة بعينها، أو طياري سرب ضعيف التدريب. ولكن أثبتت هذه المعركة الجوية الليلية، التي يتداول أن شارك فيها ما يربوا على 125 مقاتلة لمدة ساعة كاملة. أن هناك تفوق في مفهوم عمل القوات الجوية الباكستانية، على مفهوم نظيرتها الباكستانية، وذلك في تقديري من خلال الآتي:

1- تقدير موقف رد فعل العدو جيدًا على العمل الإرهابي، خصوصًا تقدير الضربة الجوية.

2- دراسة دقيقة للغاية، وسابقة بسنوات عديدة عن خصائص وإمكانيات وفكر وقدرة القوات الجوية الهندية.

3- الاستفادة القصوى من التدريبات المشتركة التي نفذتها القوات الجوية الباكستانية مع دول صديقة، خاصة التي تمتلك مقاتلات مماثلة لما لدى القوات الجوية الهندية. 4- إبتكار تكتيكات جوية غير تقليدية، ساهمت في وضع الطياريين الباكستانيين في موقف أفضل من نظرائهم الهنود.

5- استغلال أخطاء/ ثغرات تأمين التشكيلات الجوية القائمة بالضربة، وإقتناص الفرصة في إحداث اكبر خسائر ممكنة، سواء في التشكيلات الجوية القائمة بالهجوم، أو التشكيلات الجوية التي تؤمنها، أو تشترك في حماية مسرح العمليات.

6- توظيف القوات الجوية الباكستانية للخصائص الفنية للطائرات والأسلحة المزودة بها، سواء بزيادة الإعتماد على الأجهزة الكهروبصرية و/أو وصلات البيانات، وذلك لإفقاد المقاتلات الهندية عنصر الإنذار المبكر التي توفرها أجهزة التحذير لديها. وبالتالي وضعها في موقف قتالي غير مناسب بقدر الإمكان عند بدء غكتشافها للصواريخ الموجهة عليها.



وفي النهاية؛ أثبتت هذه المعركة الجوية محدودة الخسائر، قصيرة الزمن. ميلاد حقيقي للمعركة الجوية المتقدمة، التي لم تحدث بين قوتين جويتين تقليديتين ومتوازنتين بشكل ما إلا في معركة وادي البقاع بين إسرائيل وسوريا عام 1982. لكن بتجرد فكر الطرف الأضعف، ومحاولة الاستفادة القصوى من كافة إمكانياتة، استطاع أن يحرز نصرًا معنويًا مدويًا، ويشكل ردعًا للطرف الأقوى، الذي لا يستطيع تحمل هذا المعدل من الخسائر في الحروب الحديثة.