ورقه بحثية: التنافُس الصيني-الهندي في القرن الأفريقي: المصالح والتداعيات

المصدر : مركز الإمارات للسياسات

مع تصاعُد التنافس المتعدد الأبعاد بين الصين والهند في مناطق استراتيجية مختلفة من العالم، يبدو أن هذا التنافس مُرشَّح بقوة أن ينتقل إلى منطقة القرن الأفريقي التي تحتل أهمية جيوستراتيجية لدى الطرفين، في ضوء ما تشهده من تحول ديناميكي يُفسِّره صعود قوي للدور الصيني باعتباره شريكاً اقتصادياً ضخماً في مقابل تراجع نسبي لواشنطن، الأمر الذي يُغذِّي المخاوف الهندية من تشكُّل حزام صيني اقتصادي وعسكري يستهدف تطويقها في مجالها الحيوي، وهو ما يدفعها بمباركة أمريكية وغربية إلى محاولة موازنة تمدُّد النفوذ الصيني الذي يشكل تحديّاً لمصالحها الاستراتيجية في المحيط الهندي، وتقليل الفجوة الاقتصادية والعسكرية مع الصين في القرن الأفريقي، واكتساب ثقل استراتيجي هناك وتحدِّي النفوذ العسكري الصيني أو ترويض نزعته التوسعية لدرجة إطلاق مشروع تنافسي هو "ممر النمو الآسيوي الأفريقي" لمواجهة مبادرة "الحزام والطريق" الصينية.

تُسلِّط هذه الورقة الضوء على مظاهر تنامي التنافس الصيني-الهندي في منطقة القرن الأفريقي، ومصالحهما المرتبطة بهذا التنافس، وتداعياته المحتملة ومستقبله.

أهمية القرن الأفريقي في سياستي الصين والهند

إن الأهمية الجيوستراتيجية لمنطقة القرن الأفريقي جعلها محط أنظار واهتمام العديد من القوى الدولية والإقليمية، وأخذت المنطقة تحتل مرتبة متقدمة في سياسة كل من الصين والهند خلال السنوات الأخيرة لعدد من الأسباب والاعتبارات:

الموقع الجغرافي لمنطقة القرن الأفريقي، بوصفها واحدة من المناطق المحورية في العالم، وباعتبارها بوابة للقارة الأفريقية تربط بين أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا، ونقطة التقاء البحر الأحمر مع المحيط الهندي الذي يشهد تنافساً متصاعداً بين القوتين الآسيويتين. وقُربها الجغرافي من منطقة الخليج العربي التي تُزوِّد بيجين بنحو 50% من حجم وارداتها النفطية[i]، وكذلك الحال بالنسبة للهند[ii]. كما أنها تُطِل على مضيق باب المندب أحد أهم الطرق البحرية للتجارة ونقل الطاقة في العالم، حيث يمر عبره 25% من الصادرات العالمية، و30% من النفط المتجه غرباً، بواقع تجارة سنوية تتجاوز قيمتها 700 مليار دولار، و25 ألف سفينة، وما يقرب من ملياري برميل من النفط تمر سنوياً عبر المضيق الاستراتيجي[iii].
التموضع الاستراتيجي لدولة جيبوتي يجعلها بمثابة حارس باب المندب الطبيعي، وهو ما يمنحها رصيداً بحرياً استراتيجياً يجعلها ركيزة أساسية في سياسات البلدين لتعزيز النفوذ، ويُدلل على ذلك احتضانها سبع قواعد عسكرية لقوى دولية على أراضيها[iv].
تُمثِّل منطقة القرن الأفريقي عنصراً أساسياً في مبادرة الحزام والطريق الصينية. كما أنها تمثل أهمية بالغة بالنسبة للهند لكونها جزء أيضاً من مشروع "ممر النمو الأفريقي الآسيوي" الذي أطلقته مع اليابان لمواجهة المبادرة الصينية.
الثقل السياسي والدبلوماسي الذي تحتضنه منطقة القرن الأفريقي ويمثله مقر منظمة الاتحاد الأفريقي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا في نفس البلد، والهيئة الحكومية الدولية للتنمية IGAD في جيبوتي، ما يمنح فرصة الاتصال مع الزعماء الأفارقة المؤثرين في سياسات بلدانهم.
تتميز القارة الأفريقية، وفي القلب منها القرن الأفريقي، بوفرة الموارد والثروات الطبيعية مما يجعلها مصدراً مهماً للدول الصناعية المتقدمة مثل الصين والهند، وبالتالي تسعى كل دولة لتأمين مصادر النفط والمواد الخام اللازمة لصناعاتها ونموها الاقتصادي، خاصة في ظل الاستكشافات النفطية المتوالية في بعض بلدان المنطقة مثل إثيوبيا والصومال.
يعد القرن الأفريقي بمثابة أرض خصبة للاستثمارات الصينية والهندية في ضوء ضعف القدرات الاقتصادية لدول المنطقة التي تمثل سوقاً واسعة، وضعف البنية الأساسية؛ مما يدفعها للترحيب بتلك الاستثمارات لمعالجة الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها. فعلى سبيل المثال، تقوم السياسة الصينية على أساس تنفيذ مشروعات البنية التحتية مقابل السلع الأساسية، كما تستفيد الشركات الصينية من إمكانات السوق الأفريقية وقوة العمل الرخيصة، فيما بدأت الهند في التوسُّع في مجال البنية التحتية في بعض دول القرن الأفريقي.
يُعد المجال البحري للبحر الأحمر مسرحاً للصراع بين القوى المتنافسة في القرن الأفريقي. وعليه، تسعى كلٌّ من الصين والهند إلى تأكيد نفوذهما البحري في المنطقة، والظهور من ثمّ كقوتين بحريتين كبيرتينِ، وذلك من خلال مد نفوذهما إلى مضيق باب المندب، أحد أهم المضايق المائية الاستراتيجية في العالم.

المصالح الاستراتيجية للطرفين في المنطقة

1. المصالح الصينية

الحصول على الدعم الأفريقي فيما يتعلق بالتضامن مع قضايا الصين في المحافل الدولية مثل سياسة "صين واحدة"، بهدف تحجيم التحركات الدبلوماسية لتايوان في منطقة القرن الأفريقي، إذ تضغط بيجين بشكل مستمر من أجل عدم الاعتراف بتايوان.
موازنة النفوذ الأمريكي في القرن الأفريقي، وتحجيم أي دور بارز لليابان والهند هناك مستقبلاً.
يُشكِّل النمو المُتصاعِد للمصالح الاقتصادية الصينية في القرن الأفريقي محوراً أساسياً وراء اهتمام الصين بتعزيز النفوذ هناك في ضوء مساعيها لتعزيز مصالحها الاستراتيجية في المنطقة[v]، إذ تمثل المنطقة سوقاً واعدة للمنتجات الصينية، فمثلاً يتجاوز عدد سكان إثيوبيا 108 مليون نسمة[vi]، كما أنها بوابة مهمة لوصول تلك المنتجات إلى وسط القارة وغربها.  
تأمين مصادر النفط في منطقة القرن الأفريقي التي أضحت تمتلك إمكانات هائلة في مجال النفط والغاز الطبيعي مثل إقليم أوجادين في إثيوبيا، والصومال التي أظهرت المسوحات الجيولوجية احتفاظها بحوالي 100 مليار برميل من الاحتياطات النفطية في البحر[vii]؛ مما يزيد من إمدادات الصين النفطية في المستقبل. وتسعى أيضاً لتأمين وصول النفط من جنوب السودان الذي يمثل 7% من وارداتها النفطية، ويحتل أهمية حاسمة بالنسبة لاحتياجات بيجين النفطية[viii].
الدفاع عن المصالح الأمنية الصينية في القرن الأفريقي، وتأمين موطئ قدم دائم في البحر الأحمر والشاطئ الغربي للمحيط الهندي من خلال القاعدة العسكرية في جيبوتي بهدف تعزيز النفوذ الصيني هناك، وتأمين مبادرة الحزام والطريق، ومكافحة القرصنة في المنطقة، وتأمين الملاحة البحرية الدولية والتجارة الصينية المارة عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر[ix].
اهتمام الصين بأمن الخطوط البحرية والتحكم في مضيق باب المندب، والسيطرة على الموانئ البحرية في منطقة القرن الأفريقي لضمان تعزيز النفوذ البحري في المنطقة، إذ إن ميناء جيبوتي يسمح بالسيطرة على نسبة كبيرة من حركة التجارة في البحر الأحمر والمحيط الهندي[x].
تمثل منطقة القرن الأفريقي إحدى أسواق السلاح الصيني النامية في أفريقيا، إذ زادت مبيعات الأسلحة الرسمية للصين إلى القارة خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة 55%، وتضاعفت حصتها من سوق الأسلحة الأفريقية لتصل إلى 17% وفقاً لتقديرات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام[xi].
المشاركة ضمن عمليات حفظ السلام الدولية لتأكيد دور الصين في تعزيز السلم والأمن الدوليين، إذ تسهم الصين بقوة تبلغ 8000 عنصر، ويعمل حوالي 2000 عنصر في بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في دول السودان وجنوب السودان والكونغو الديمقراطية ومالي والصحراء الغربية[xii].
تأمين المشروعات والاستثمارات الصينية والعمال الصينيين في ظل التحديات الأمنية التي تواجهها مثل عدم الاستقرار السياسي والإرهاب والجريمة المنظمة والقرصنة في القرن الأفريقي؛ فهناك مليون صيني يعملون في أفريقيا عموماً وفقاً لإحصائيات عام 2016.

2. المصالح الهندية

أعلنت الهند أن مصالحها الوطنية لم تعد تقتصر على شبه القارة الهندية، بل امتدت من خليج عدن إلى مضيق ملقا[xiii]. لذلك، تسعى نيودلهي للحفاظ على نفوذها في منطقة المحيط الهندي من خلال تعزيز حضورها في المناطق الاستراتيجية مثل القرن الأفريقي.
المواءمة مع الأنظمة السياسية الصديقة في المنطقة، بهدف حشد كتلة تصويتية مُعتَبرة تخدم قضايا الهند على الصعيد الدولي، وتُعزِّز من تحركها في أنحاء القارة.
موازنة النفوذ الصيني في منطقة القرن الأفريقي، والحد من التوسُّع الصيني البحري في منطقة المحيط الهندي الذي يمثل مجال الهند الحيوي والاستراتيجي[xiv].
حماية المصالح التجارية الهندية، وضمان تأمين سفنها التجارية من عمليات القرصنة، والعمل على تحجيم تلك العمليات خوفاً من انتقالها لأعالي البحار في المحيط الهندي بما يهدد التجارة الدولية.
تأمين خطوط الاتصالات البحرية والسيطرة على نقاط الاختناق البحرية والحفاظ على الوصول إلى الجزر الرئيسة في المحيط الهندي.
تُشكِّل مصادر الطاقة أحد الشواغل الرئيسة للهند في المحيط الهندي، حيث تحتل الهند المرتبة الرابعة كأكبر اقتصاد في العالم، وتعتمد على استيراد النفط بنسبة 70% يأتي أغلبه من منطقة الخليج العربي[xv].
حماية وتأمين الجالية الهندية في دول منطقة القرن الأفريقي، حيث يعيش حوالي 3 ملايين شخص من أصل هندي بين القرن الأفريقي وجنوب أفريقيا.

ملامح التنافس بين القوتين الآسيويتين

تتقاسم الصين والهند مصالح حيوية في منطقة القرن الأفريقي برغم السبق الذي بدأته الصين في التغلغل نحو أفريقيا منذ عام 2000 وحتى قبل ذلك، ومع هذا تحاول الهند اللحاق بالركب لمواجهة التمدد الصيني، ومِن ثمَّ تلوح في الأفق مواجهة جيوسياسية بين القوتين في المنطقة التي من المرجح أن تصبح مركزاً للمواجهة الاقتصادية والأمنية بين الطرفين مستقبلاً. فالبحر الأحمر وخليج عدن هما طريقان بحريان أساسيان لاقتصاد الهند، كما تستثمر الصين بكثافة على طول هذين الممرين المائيين، خاصة في ميناء جيبوتي وقناة السويس من خلال مبادرة الحزام والطريق.

وتُولي الهند اهتماماً كبيراً بمنطقة القرن الأفريقي، حيث قام الرئيس الهندي رام ناث كوفيند بجولة إلى المنطقة في أكتوبر 2017 شملت زيارة كُلٍّ من إثيوبيا وجيبوتي، وعبَّر عن اهتمام الهند بإقامة قاعدة عسكرية هندية في جيبوتي. واُعتبرت تلك الزيارة مؤشراً على استعداد الهند لتنمية العلاقات الاقتصادية والاستراتيجية مع دول القرن الأفريقي، خاصة في ظل الحضور الطاغي للصين في منطقة المحيط الهندي.

وفي مؤشر إلى مساعي الهند لتعزيز العلاقات مع دول القرن الأفريقي، نظَّم المجلس الهندي للشؤون العالمية المؤتمر الدولي الثالث حول مشاركة الهند مع شمال أفريقيا والقرن الأفريقي في مارس 2019 بأديس أبابا لمناقشة القضايا والمبادرات المشتركة. وقد تطوَّرت العلاقات بين إثيوبيا والهند لدرجة الشراكة الإنمائية الشاملة، إذ تُقدَّر الاستثمارات الهندية في إثيوبيا بنحو 4 مليارات دولار، وتوجد نحو 540 شركة هندية عاملة في البلاد[xvi]. كما منحت الهند تمويلاً لإثيوبيا بقيمة 1.1 مليار دولار لتنفيذ بعض المشروعات مثل صناعة السكر وتوصيل الكهرباء للريف، وتستفيد إثيوبيا من المنح الدراسية التي تقدمها الحكومة الهندية[xvii]. وتشارك 10 شركات هندية في المنطقة الاقتصادية الأولى في ميناء مومباسا الكيني في مجالات البنية التحتية والأدوية والأسمدة والتصنيع[xviii].

وتعد الهند ثالث أكبر شريك تجاري مع أفريقيا بقيمة 62.8 مليار دولار وفقاً لتقديرات عام 2017/2018، وبلغ حجم استثماراتها 54 مليار دولار في عام 2016. بينما تجاوزت الصين الولايات المتحدة الأمريكية وأضحت أكبر شريك تجاري لأفريقيا بواقع 185 مليار دولار وفقاً لتقديرات عام 2018، وبلغ حجم الاستثمارات الصينية في أفريقيا نحو 147.66 مليار دولار حتى عام 2020. وبالتالي لا تستطيع الهند منافسة الصين على "الدولار مقابل الدولار"، خاصة مع قوة الإنفاق الصيني.

وقد أطلقت الهند واليابان مبادرة "ممر النمو الآسيوي الأفريقي" لشرق أفريقيا، وهو مشروع تنموي تم تدشينه في عام 2016 بهدف تحقيق تعاون إنمائي يستهدف اجتذاب استثمارات في مجالات التنمية والبنية التحتية وبناء القدرات والتعاون مع شعوب المنطقة. وهذا المشروع ربما يكون أكبر عمل للهند في أفريقيا، وهو موجَّه بالأساس لمبادرة الحزام والطريق الصينية التي تشكل منطقة القرن الأفريقي جزءاً أساسياً فيها. ووقَّع كلٌّ من الهند واليابان في سبتمبر 2020 ميثاق الخدمات اللوجستية المتبادلة الذي يهدف لتعزيز التعاون المشترك بين القوات المسلحة للبلدين. وبموجب هذا الاتفاق سوف تحصل البحرية الهندية على إمكانية الوصول إلى القاعدة اليابانية في جيبوتي، وهو نفس ما توصلت إليه الهند باتفاق مماثل مع فرنسا[xix].

وتمتلك الهند علاقات تعاون قوية في مجال الأمن البحري مع الدول الأفريقية المُشاطئة للمحيط الهندي، فقد كانت البحرية الهندية أول المستجيبين الدوليين لإعصار "إيدا" في موزمبيق في عام 2019، وإعصار مدغشقر أيضاً[xx]. وسعت الهند إلى فتح قاعدة عسكرية لها في سيشل في ضوء مساعيها لتعزيز الوجود البحري في غرب المحيط الهندي ومواجهة النفوذ الصيني في المنطقة[xxi].

وأصبحت الدبلوماسية الدفاعية ضرورة حتمية للهند في منطقة المحيط الهندي، إذ ترصد الهند باستمرار التطورات في القرن الأفريقي ومدغشقر، وتعتزم إنشاء 32 محطة مراقبة رادار ساحلية في دولتي سيشل وموريشيوس. كما خصصت أراضي لها في جزيرة سيشل لبناء أول قاعدة بحرية لها لمراقبة الصين في المنطقة[xxii].

هناك أيضاً تنافس صيني هندي في إطار دبلوماسية الصحة والمساعدات الإنسانية للظهور كشريكين لأفريقيا يمكنها الاعتماد عليهما في وقت الحاجة[xxiii]. فقد قدَّم البلدان المساعدات الطبية لدول القرن الأفريقي لمواجهة جائحة كوفيد-19، إضافة إلى المساعدات المقدمة لمواجهة غزوات أسراب الجراد الصحراوي التي هاجمت دول المنطقة. وقد أرسلت الهند مساعدات طبية إلى 25 بلد أفريقي على خلفية جائحة كوفيد-19 مثل إثيوبيا وأوغندا وموريشيوس وجزر القمر وسيشل ومدغشقر. ووصلت السفينة البحرية الهندية Airavat في 24 أكتوبر 2020 محملة بالمساعدات الغذائية إلى أربعة دول أفريقية هي إريتريا وجيبوتي والسودان وجنوب السودان. كما لعبت الجالية الهندية في بلدان شرق أفريقيا دوراً بارزاً في المساعدة على نشر الوعي[xxiv].

وتقوم علاقة الصين مع دول القرن الأفريقي على أساس تعزيز التعاون الاقتصادي، وتعد إثيوبيا وجيبوتي مركزا التنسيق الرئيس في علاقات الصين مع القرن الأفريقي، حيث تمثل جيبوتي ركيزة رئيسة في استراتيجية سلسلة اللؤلؤ الصينية التي تربط الموانئ المهمة بمبادرة الحزام والطريق. وتتركز الأنشطة الاقتصادية الصينية في المنطقة في أربعة قطاعات أساسية هي الطُّرُق والسكك الحديدية والطاقة والاتصالات. وتقوم الصين بعدة مشروعات في دول المنطقة مثل 14 مشروع في جيبوتي بقيمة 14.4 مليار دولار منها افتتاح منطقة تجارة حرة في جيبوتي بمساحة 48.2 كيلومتر مربع في يوليو 2018، وتطوير ميناء دوراليه للحاويات من خلال الشركة الصينية العامة لهندسة البناء CSCEC بقيمة 421.7 مليون دولار الذي افتتح في مايو 2017، وتمويل تدشين خط السكك الحديدية بين أديس أبابا وميناء جيبوتي الذي انطلق في يناير 2018 بطول يتجاوز 752 كيلومتر[xxv]. كما نفَّذت الشركات الصينية نحو 1564 مشروعاً في إثيوبيا على مدار العقدين الماضيين[xxvi]. ووقعت جيبوتي وإثيوبيا اتفاقاً لنقل الغاز الطبيعي الإثيوبي بقيمة 4 مليارات دولار عبر شركة Poly-GCL الصينية[xxvii]. ومولت بيجين مشروعاً للسكك الحديدية في كينيا بقيمة 1.5 مليار دولار[xxviii]، فيما نفَّذت شركة SFECO الصينية مشروع بناء طريق طوله 134 كيلومتر في إريتريا[xxix].

وبطبيعة الحال، يُثير الحضور العسكري الصيني في جيبوتي الواقعة على الحافة الشمالية الغربية للمحيط الهندي بعد افتتاح القاعدة العسكرية الصينية في 2017 المزيد من القلق لدى الهند، إذ ترى نيودلهي أنها تشكل خروجاً عن الدور التقليدي الذي لطالما لعبته الصين في أفريقيا خلال الفترة الماضية، والذي يرتكز على المصالح التجارية في المقام الأول، وتأتي في إطار عزم بيجين توسيع نطاق انتشارها العالمي مما يهدد المصالح الهندية في القرن الأفريقي والمحيط الهندي[xxx]. لذلك، فقد أطلقت نيودلهي سياسة "النظر إلى الشرق" لتعزيز نفوذها كرد فعل على سلسلة اللؤلؤ الصينية التي تعكس النفوذ الصيني المتصاعد[xxxi].

وقد نجحت بيجين من خلال ما يُعرَف بدبلوماسية الديون أن تُعزِّز سيطرتها على عددٍ من الموانئ البحرية في القرن الأفريقي والمحيط الهندي مثل ميناء ممباسا الكيني وميناء جيبوتي وميناء جوادر الباكستاني، حيث سيطر بعض الشركات الصينية على ميناء دوراليه للحاويات في جيبوتي. وتبلغ نسبة الديون الجيبوتية للصين حوالي 71% من الناتج المحلي الإجمالي لجيبوتي[xxxii]. وفي عام 2019 وقَّعت الصين مع كينيا قرضاً بقيمة 666 مليون دولار لتمويل مشروعات البنية التحتية[xxxiii].

المواقف الإقليمية والدولية من التنافس الصيني-الهندي في القرن الأفريقي

هناك ترحيب من معظم الأفارقة بالسياسة الصينية في البلدان الأفريقية[xxxiv]، ويرجع ذلك لعوامل عدة أبرزها سياسة بيجين القائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأفريقية، وتحقيق الاستثمارات الصينية فوائد ملموسة للشعوب الأفريقية، وسدّ الفجوة التي تسببت فيها سياسة واشنطن التي خفَّضت المساعدات لأفريقيا، وأضحت علاقاتها مع أفريقيا مرتكزة على المنظور الأمني فقط.

وبرغم ما قد يترتَّب على التنافس الصيني-الهندي على منطقة القرن الأفريقي من تداعيات، إلا أن بعض دولها ترى في هذا التنافس مكسباً كبيراً لها في ضوء الاستفادة من الاستثمارات والمساعدات التي يضخها الطرفان لكسب المزيد من النفوذ بغض النظر عن التطورات المحتملة لهذا التنافس من نشوب صراع أو صدام قد يُهدد أمن المنطقة واستقرارها.

وهناك تخوف آسيوي، لا سيما من قبل دولتين كالهند واليابان، من الأهداف الجيوسياسية للصين في منطقة القرن الأفريقي مع استمرارها في تنفيذ سلسلة اللؤلؤ ضمن مبادرة الحزام والطريق التي تستهدف الهيمنة الإقليمية وجَعْل الصين محور نظام جديد في آسيا ومنطقة المحيط الهندي، وهو ما دفع الهند إلى توجيه رسالة لبيجين من خلال إجراء مناورات بحرية ثنائية سنوية مع أستراليا، فضلاً عن التدريبات الثلاثية المشتركة مع اليابان والولايات المتحدة الأمريكية[xxxv].

وقد تُفضِّل واشنطن والقوى الأوروبية الهند شريكاً في أفريقيا على حساب الصين التي يُنظر لها باعتبارها تهديداً جيوسياسياً متزايداً للغرب، وفي ظل التنبؤ بقدة بيجين على تحجيم القدرة الأمريكية على المناورة في القارة الأفريقية خلال العقد المقبل[xxxvi]. لذلك، تعمل واشنطن على التنسيق مع الهند من أجل تحقيق التوازن في المنطقة باعتبارها المنافس القوي للصين في آسيا.

التداعيات على الطرفين والقرن الأفريقي

الصين والهند: تمتلك الصين الآن النفوذ الذي يسمح لها بالجمع بين التدخل السياسي والدبلوماسي والاقتصادي والعسكري في منطقة القرن الأفريقي والتأثير الواسع النطاق على دولها[xxxvii]. ومن المتوقع أن تستمر الصين في تعزيز نفوذها وتمدُّدها في القرن الأفريقي والمحيط الهندي، ما قد يُنذِر بفتح جبهات جديدة للصراع مع قوى دولية كبرى مثل واشنطن والغرب ونيودلهي لفرض الهيمنة وتحجيم النفوذ. ويُمثِّل وجود القوات الصينية في القرن الأفريقي امتداداً للتهديد العسكري الصيني على طول الحدود البرية الآسيوية في المجال البحري، وحزام صيني عسكري واقتصادي لتطويق الهند استراتيجيّاً. فعلى سبيل المثال، ينظر إلى المحور البحري جيبوتي-جوادر على أنه من المحتمل أن يقطع إمدادات الطاقة الهندية من الخليج والشرق وغرب أفريقيا[xxxviii]، وهو ما يُشكِّل ضغطاً على نيودلهي، وتحديّاً للوضع الإقليمي البارز للبحرية الهندية[xxxix].

ويظل القلق قائماً بين الصين والهند مع تصاعُد المنافسة بينهما لتأكيد الهيمنة على المحيط الهندي خلال الفترة المقبلة، وقد يدفع ذلك الهند إلى الاتجاه نحو توسيع قدراتها البحرية الدفاعية والعسكرية لمواجهة القوة البحرية الصينية، مما يعني استنزاف الهند ماديّاً في مواجهة الإنفاق الصيني الضخم.

دول القرن الأفريقي: هناك استفادة اقتصادية لمعظم دول القرن الأفريقي جرَّاء هذا التنافس في ضوء توجه الاستثمارات الصينية والهندية نحو المنطقة، وتنامي المساعدات الاقتصادية والإنسانية التي تقدمها القوتين لها لتحقيق مصالحها وتأكيد نفوذها. ومع هذا، تبدو منطقة القرن الأفريقي مُقبلة على مزيد من العسكرة في ظل هذا التدافع من قبل القوى الدولية والإقليمية لتصبح ساحة صراع جديدة على النفوذ والهيمنة بين القوى الدولية المنخرطة فيها، فضلاً عن احتمالية تنامي حالة الاستقطاب الإقليمية بين دول المنطقة.

مستقبل التنافس الصيني-الهندي في القرن الأفريقي

في ظل فك ارتباط أمريكي مُرجَّح بالقارة الأفريقية وتردُّد أوروبي تجاهها، تبدو فرصة الصين قوية للترويج لنفسها بوصفها شريكاً موثوقاً به للدول الأفريقية، لاسيما في ضوء الشكوك حول التزام واشنطن تجاه أفريقيا خلال العقد المقبل بعد ثورة النفط الصخري التي تضمن لها المرتبة الأولى عالمياً في تصدير النفط، ما يعني تراجع الأهمية الاستراتيجية للقارة الأفريقية والخليج العربي بالنسبة لواشنطن مستقبلاً.

ويبدو أن تطلعات الصين البحرية في المحيط الهندي تمتد إلى ما هو أبعد من جيبوتي وشرق أفريقيا، بحيث تستهدف القواعد العسكرية الصينية الحالية والمتوقعة مستقبلاً ضمان وجود قبضة صينية على المواقع البحرية الاستراتيجية مثل مضيق باب المندب والبحر الأحمر والمحيط الهندي، الأمر الذي يُهدد المجال الحيوي للهند ومصالحها المتنامية في المنطقة.

ومع أن الهند قد تجد صعوبات في محاكاة الصين في نشر القوات العسكرية في منطقة القرن الأفريقي والمحيط الهندي، أو مجاراتها في حجم الاستثمارات والمشروعات الاقتصادية، إلا أن بإمكانها تعزيز مصالحها هناك من خلال تحالف أمني متطور مع الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وأستراليا لردع هيمنة البحرية الصينية، ومحاولة تقديم قيمة مضافة للدول الأفريقية في بعض المجالات مثل بناء القدرات والبنية التحتية ونقل التكنولوجيا.

الهوامش

[i] Assaf Orion, The Dragon’s Tail at the Horn of Africa: A Chinese Military Logistics Facility in Djibouti, The Institute for National Security Studies, No. 791, 1 February 2016, Available at: https://bit.ly/34Nixbw

[ii] Kadira Pethiyagoda, India-GCC Relations: Delhi’s Strategic Opportunity, Brookings Doha Center Analysis Paper, No. 18, February 2017, available at: https://www.brookings.edu/wp-content/uploads/2017/02/india_gcc_relations.pdf

[iii] Ecatarina Garcia, Chinese Influence in East Africa: Transcultural Connection as Foreign Policy Spur, Modern Diplomacy, 5 November 2018, available at: https://bit.ly/3jTC4eF

[iv] Siddharth Chakraborty, China takes the Africa route to ringfence India: 6 reasons why Delhi should be worried, The Economic Times, 12 July 2018, available at: https://bit.ly/3jN5tHf

[v] Ecatarina Garcia, Ibid.

[vi] Aaron Tesfaye, China-Ethiopia Relations and the Horn of Africa, Italian Institute for International Political Studies, 20 September 2019, available at: https://bit.ly/34NQrNf

[vii] Tom Collins, Indian Ocean oil and gas: Africa’s next energy frontier, African Business, 13 May 2019, available at:  https://bit.ly/34VxdWh

[viii] Aaron Tesfaye, Ibid.

[ix] Oussama Bouzerouta, China’s Engagement in Africa: A Realist Perspective, Future Globalist, available at:  https://bit.ly/2HXW96F

[x] Megan Robinson, The Horn of Africa’s Economy Boosts Due to Chinese Investments, NAOC, 1 February 2017, available at: https://bit.ly/2I1P19a

[xi] Josh Rogin, China is challenging the U.S. in the Horn of Africa — and Washington is silent, Washington Post, 28 September 2018, available at: https://wapo.st/3ej3ysS

[xii] Matthew Johnson, China’s International Partnerships: Pan-African Cooperation, 7 February 2020, Available at: https://bit.ly/384L6Db

[xiii] India and Djibouti, IAS Parliament, 3 October 2017, Available at: https://bit.ly/327L1uP

[xiv] Salem Solomo and Liyuan Lu, Observers: China's New Base in Djibouti to Aid Economic Expansion in Africa, Voice of America, 9 August 2017, available at: https://bit.ly/2GnceSH

[xv] Siddharth Chakraborty, Ibid.

[xvi] Chithra Purushothaman, India’s Economic Diplomacy with Ethiopia, Manohar Parrikar Institute for Defence Studies and Analyses, July-December 2018, available at: https://bit.ly/3kRK8xR

[xvii] Conference in Addis Ababa on India’s engagement with the Horn of Africa, Africa News, 12 September 2019, Available at: https://bit.ly/3kSUTjx

[xviii] Salem Solomo and Liyuan Lu, Ibid.

[xix] Huma Siddiqui, India and Japan cement defence ties! Ink landmark ACSA pact, India to get access to Djibouti in Africa, Financial Express, 10 September 2020, available at: https://bit.ly/328JeFL

[xx] Ruchita Beri, India-Africa Defence Ministers’ Conclave: A Fresh Initiative, Manohar Parrikar Institute for Defence Studies and Analyses, 6 February 2020, available at: https://bit.ly/383AUea

[xxi] Sankalp Gurjar, Understanding Indian ties with Horn of Africa countries, Deccan Herald, 20 October 2020, available at: https://bit.ly/34Qy4Hy

[xxii] Obi Anyadike, A rough guide to foreign military bases in Africa, The New Humanitarian, 15 February 2017, available at:  https://bit.ly/3ej5ly6

[xxiii] Fortifying the African outreach: Contrast in the approach adopted by China and India, Civils daily, 2 June 2020, available at: https://bit.ly/34P3YUM

[xxiv] India-Africa Relations "EMPOWER IAS", Empower IAS, available at: https://bit.ly/3oRjPdG

[xxv] Chinese engagement in Djibouti's economic transformation in a nutshell, Xinhuanet, 10 January 2020, available at: https://bit.ly/3jSIUkG

[xxvi] Ethiopia: Chinese Companies Invests Over U.S.$1.1 Billion in Ethiopia, All Africa, 17 October 2020, available at: https://bit.ly/3kWpT1Z

[xxvii] John Calabrese, The Bab el-Mandeb Strait: Regional and great power rivalries on the shores of the Red Sea, Middle East Institute, 29 January 2020, available at: https://bit.ly/384dLs8

[xxviii] Jevans Nyabiage, China’s allies at loggerheads over Ethiopia dam – will Beijing intervene?, South China Morning Post, 16 July 2020, available at: https://bit.ly/325HZaz

[xxix] Austin Bodetti, Through Eritrea, China Quietly Makes Inroads Near the Red Sea, Through Eritrea, China Quietly Makes Inroads Near the Red Sea, The Diplomat, 25 January 2020, available at: https://bit.ly/2GkDr8m

[xxx] Siddharth Chakraborty, Ibid.

[xxxi] Idem.

[xxxii] Ali Asghari, Iran, China and the Djibouti experience, Modern Diplomacy, 31 July 2020, available at: https://bit.ly/3872dVc

[xxxiii] Shoshana Kede, African leaders sign billions in deals at China’s Belt and Road Summit, Africam Business Magazine, 29 April 2019, available at: https://bit.ly/327Mt0f

[xxxiv] Nick Turse, U.S. GENERALS WORRY ABOUT RISING RUSSIAN AND CHINESE INFLUENCE IN AFRICA, DOCUMENTS SHOW, The Intercept, 13 August 2019, available at:  https://bit.ly/32771WI

[xxxv] Rajaram Panda, Djibouti Military Base Is a New Step in China’s Maritime Footprint, Global Asia, available at:  https://bit.ly/386YLtM

[xxxvi] Corrado Cok, Can the India-China Confrontation Play Out in East Africa?, Fair Observer, 15 September 2020, available at:  https://bit.ly/388JM2e

[xxxvii] Josh Rogin, Ibid.

[xxxviii] Neil Melvin, The New External Security Politics of The Horn of Africa Region, SIPRI, April 2019. P.23.

[xxxix] Why Djibouti is strategically important for world military powers?, The Indian Express, 12 July 2017, available at:  https://bit.ly/384eMQY