تحليل: تركيا .... والموقف الجوى الحرج بليبيا


منذ أن إنتقل الصراع على الأراض الليبيه الى مستوى متقدم فى بداية العام الماضى ، حتى إضطر الجانب التركى الى رفع مستوى المشاركه بالصراع من درجة الخبراء الى المشاركة بقوات تركيه بشكل مباشر ، والتى بدأت بنقل الجيش التركى فريق التعامل الخاص بالطائرات بدون طيار الذى كان يتولى العمليات العسكرية بشمال المسرح السورى ، بالإضافة الى زيادة عناصر الدعم المخابراتى وتنسيقه الكامل لنقل مرتزقه سوريين للقتال على الأراضى الليبيه ، وصولاً الى نقل وحدات دفاع جوى " هوك " وعناصر حرب إلكترونية مساندة لتأمين المناطق التى إستطاع الجانب التركى الوصول إليها .


وهنا ظهرت حاجه الجانب التركى لإنشاء عنصرين حيويين فى هذه المرحلة :
الأول : إنشاء قاعدة إدارية كبيرة ومؤمنه يستطيع منها تكديس كافة إحتياجاته اللوجستيه .
الثاني : تأمين إحدى القواعد الجوية الليبيه لكى تصلح كنقطة إنطلاق رئيسيه لعملياته الجوية سواء للطائرات بدون طيار أو تطوير الوضع لتمركز مقاتلات تركية .


لذا فقد مهدت كل من مدينتى مصراته وطرابلس بموانئها الطريق للجانب التركى لكى تصبح قواعد إستقبال بحرى وجوى بمطاريها لكافة الإمدادات العسكرية التى وصلت الى مسرح العمليات الليبى ، فقد كان مطار مصراته هو قاعدة إنطلاق طائرات بدون طيار التركيه حين كانت طرابلس على وشك التحرير من قِبل الجيش الليبى .


وبالتالى فسقوط قاعدة جوية كبيرة بأيدى الجيش التركى "قاعدة الوطيه الجوية" فتحت بشكل كبير للجيش التركى المجال لإنشاء قاعدة جوية تركية تُكَمل عناصر تأمين عملياته بليبيا ، لهذا فقد كان تأمين المجال الجوى لمناطق السيطرة التركيه أولوية قصوى ، فكانت البدايه بنقل كتيبة دفاع جوى "هوك" لتأمين مطار مصراته ، وعقب سقوط قاعدة الوطية الجوية تم نقل كتيبة "هوك" أخرى لتأمينها ضد أى هجمات جوية مع تدعيمها بمعدات حرب إلكترونية تركية الصنع لعمل مظلة إعاقة ضد كافة الذخائر الذكيه و هجمات الطائرات بدون طيار ، ومع كل هذا التأمين العالى جداً فقد قُصفت قاعدة الوطية الجوية بهجمات جوية مرتين فى فترة زمنية وجيزة ، وإستُهدِف بشكلٍ خاص كتيبة "الهوك" ومنظومات الحرب الإلكترونية الموكل إليها أساساً تأمين القاعدة من الهجمات الجوية ! ، هنا يُطرح التساؤل .. لماذا هذا الفشل؟ 


عندما نتحدث عن تأمين قاعدة جوية او بحرية او حتى منطقة جغرافيه محددة ، خصوصاً فى ظل وجود عاملين مهمين ، الأول هو وجود تلك القاعدة فى مسرح عمليات مهدد بقوات جوية معاديه ، والثانى هو بعده الجغرافى عن الدوله التى ستنشئ تلك القاعدة ، فيجب أن يتسم نمط التأمين مع باقى مسرح العمليات بالتكامل لتصبح الجبهه على شكل خط قتال واضح المعالم ، ولكن عند إغفال أو عدم إستكمال بعض عناصر التأمين تصبح القوات جُزراً منعزله مهدده بشكل مستمر من الجانب المعادى ، والإستمرار فى ذلك يحولها الى رهينه .


فوجود وحدات دفاع جوى أو حتى مقاتلات لن تُجدى نفعاً دون ربطها بمنظومة إنذار مبكر  ومركز قيادة وسيطرة تقوم بتشغيل فعال لكافة العناصر ، فليس من المنطقى تشغيل منظومة الدفاع الجوى على مدار الساعه أو أن تصبح المقاتلات تحلق فى الأجواء بشكل مستمر ، خصوصاً وأنها ستكون محدوده بواردها الوجستيه و البشرية "كطيارين" ، بالإضافه الى وجوب تعدد طبقات منظومات الدفاع الجوى التى توفر حمايه ضد أى هجمات جوية معاديه ، كل ما سبق يمثل ببساطه إنتقال قاعدة جوية بكافة مكوناتها من الأراضى التركيه الى مسرح العمليات الليبى ، وما يترتب عليه من تكلفه ماليه وبشريه وزمنيه حتميه .


كل هذا فى ظل بعض الظروف التى تمر بها الدولة التركيه منها :
- وضع إقتصادى حَرج ( حسب المؤشرات الدولية ) مما يضع ضغوط على إنفاق بهذا الحجم.
- محدودية كتائب الدفاع الجوى الرئيسية "الهوك" لدى سلاح الجو التركى ( 8 كتائب متوفرة فقط ، فعاصر الدفاع الجوى ليس لها سلاح مستقل ) .
- العجز الكبير فى صفوف طيارى القتال فى سلاح الجو التركى بعد عمليات الإقصاء الغير منطقيه منذ 2016 ( تقارير تتحدث عن عجز تجاوز ال500 طيار ) .
- عدد الجبهات التى فتحتها تركيا بإرادتها و مضطره للتعامل معها فى نفس الوقت ( شمال العراق – شمال سوريا – اليونان – ليبيا – مواجهة مصرية متوقعه فوق البحر المتوسط ).

- البدء فى إمتناع بعض القوى الدوليه الرئيسية فى إمداد تركيا بالسلاح ، وكان قرار إيقافها من إستلام مقاتلات الاف-35 هو البدايه .


لهذا فإن الوضع العسكرى التركى حالياً فى مسرح العمليات الليبى لا تحسد عليه ، فهى فى منطقه لا تستطيع التراجع منها للوراء فتخسر كافة إستثماراها فى ليبيا وما يترتب عليه من ردات فعل سواء إقليمياً أو داخلياً ، ولا تملك أن تتحرك الى الأمام وتكمل مكاسبها فقد وصلت الى سقف إمكانياتها الأقصى ، خاصة مع تلويح جمهورية مصر العربية بردع كل من يحاول ( وعلى رأسهم تركيا ) كسر خطوط القتال الحاليه سرت – الجفره ، وبالتالى هناك تهديد وجودى لتركيا فى شمال إفريقيا فى حال تحرك مصر عسكرياً داخل مسرح العمليات الليبى ، لذا ليس هناك لتركيا سوى خيارات ثلاث :


الأول : الهروب للأمام وإستكمال التقدم البرى للوصول الى الهلال النفطى الليبى ، وبالتالى الصدام المباشر مع القوات المسلحة المصرية على الأراضى الليبيه ، وبالطبع نتائج القتال محسومه للجانب المصرى مما يضطر تركيا الى الرد بتوسيع مسرح العمليات وإمتداده الى منطقة الغاز المصرية شرق المتوسط لخلق وضع معقد تحاول تركيا الخروج منه بأى مكاسب ممكنه .


الثانى : الإنسحاب من مسرح العمليات الليبى نتيجة ضغوط دولية أو تَغيّرات بالنظام السياسى داخل تركيا مما يترتب عليه إعادة هيكلة صراعات تركيا الخارجية .


الثالث : التفاوض مع القوى الدولية والإقليمية للوصول الى مكاسب سياسية أو على الاقل تجميد الوضع الليبى على ما هو عليه لحين ظهور عوامل دولية وإقليميه جديدة تصلح للتحرك .